للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بهم ويسلم من ضرهم، كتعلم ما ينفعه في دينه ودنياه، واكتساب ما يحتاج إليه من أمور المعاش والقوت، فيختلط بقدرها، وينعزل عنهم ليسلم من شرهم، وهذا لا يقع إلا لبعض الخواص الذي حصلت له عناية من مولاه.

وقد نقل عن كثير من السلف الصالح أنهم انعزلوا عن الناس وتركوا أهلهم وأوطانهم وماتوا غرباً.

كما حكي عن بعض الساده أنه قال: كنت أسكن بغداد، وكان لي بها دويرة، احتجت لبناء حائط سقط منها، فخرجت إلى موقف البنائين لأنظر رجلاً يعمل فيه، قال: فوقعت عيني على شاب نحيف، ذي وجه نظيف، فجئت إليه ووقفت عليه، وقلت: يا حبيبي أتريد الخدمة؟ قال لي: نعم، ثم قال: أعمل عندك ولكن بشروط أشرطها عليك، قلت: حبيبي وما هي؟ قال: الأجرة درهم ودانق، قال: وإذا أذن المؤذن تركني حتى أصلي مع الجماعة، قلت: نعم، قال: فانصرف معي إلى المنزل، فخدم خدمة لم أر مثلها، وذكرت له الغداء فقال: لا فعلمت أنه صائم، قال: فلما سمع الأذان قال لي: الشرط، قلت: نعم، قال: فحل حزامه وتفرغ للوضوء فتوضأ ما رأيت أحسن منه ثم خرج إلى الصلاة فصلى مع الجماعة، ثم عاد ورجع إلى الخدمة إلى أن سمع المؤذن من العصر، فقال لي: الشرط فخرج وصلى مع الجماعة، ثم رجع إلى الخدمة، فقلت: حبيبي إنما خدمة البنائين إلى العصر، فقال: سبحان الله إنما خدمتي إلى الليل، قال: فخدم إلى المغرب فأعطيته درهمين فلما رآها قال: ما هذا؟ قلت: والله هي بعض أجرتك ولاجتهادك في خدمتك، فرما بها إلىّ وقال: لا أزيد على ما اشترطه بيني وبينك شيئاً، فرغبته فلم أقدر عليه فأعطيته درهماً ودانقاً وسار.

فلما كان من الغد بكرة إلى الموقف فلم أجده فسألت عنه فقيل لي: إنه لا يأتي هاهنا إلا من سبت إلى سبت، قال: فتعلق به قلبي وقلت لا أعمل شيئاً إلى يوم السبت، فلما كان يوم السبت آتيته فوجدته فقلت: بسم الله فقال: على الشروط التي تعلمها، قلت: نعم، قال: فأخذته فخدم يومه ذلك وزاد فيه على ما تقدم، فلما كان الليل دفعت له أجرته فأخذها وسار.

فلما كان السبت الثالث جئت إلى الموقف فلم أجده فسألت عنه فقيل لي: هو مريض في خيمة فلانه، وكانت المذكورة عجوزاً لها خيمة قصب بالجبانة مشهورة بالصلاح، قال: فسرت إلى الخيمة ودخلت عليه فإذا هو مضطجع على الأرض ليس تحت شيء، وتحت رأسه صخرة فسلمت عليه فرد عليّ السلام، فقعدت عند رأسه

<<  <  ج: ص:  >  >>