وقال بعض العارفين: معناه من عرف نفسه بذلها وعجزها وفقره، عرف الله بعزته وقدرته وغناه، فيكون معرفة النفس أولا ثم معرفة الله من بعد.
وقال بعض أهل الله: لما كانت الروح في الجسد لا تدرك بالبصر ولا تمثل بالصور، علمنا سبحانه أنه لا تدركه الأبصار ولا يمثل بالصور والآثار، ولا يشبه بالشموس والأقمار ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فطوبي لمن عرف وبذنبه اعترف.
أشار بعض مشايخي في هذا المعنى فقال:
قل لمن يفهم عني ما أقول ... قصر القول فذا شرح يطول
هو شيء غامض من دونه ... ضربت والله أعناق الفحول
أنت لا تعرف إياك ولا ... تدر من أنت ولا كيف الوصول
لا ولا تدري صفات ركبت ... فيك حارت في خفاياها العقول
كيف تدر من على العرش استوى ... لا تقل كيف استوى كيف النزول
كيف تجلى أم ترى كيف يرى ... فلعمري ليس ذا إلا فضول
هو لا كيف ولا أين له ... وهو في كل النواحي لا يزول
جل ذاتاً وصفاتاً وسما ... وتعالى ملكه عما أقول
وذهب كثير من المتكلمين إلى أنها معلومة للناس في الدنيا، واحتجوا بوجهين:
أحدهما: أنا مكلفون بمعرفة وحدانيته، فلذلك يتوقف على معرفة حقيقته، فلم نوجبها لكلفة ما لا يطاق وهو ضعيف، لأنا لا نسلم أنها متوقفة على معرفته بالحقيقة، وإنما تتوقف على معرفته بوجه.
ثانيهما: أنا نحكم على ذات الله - عز وجل - بأحكام، والحكم مسبوق بتصور المحكوم عليه، وهو ضعيف أيضاً، لأن تصور المحكوم كان بوجه ما.
قال الزركشي: والأحسن القول الأول وهو أنها ليست معلومة للناس في الدنيا قال تعالى: ?وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً? [طه: ١١٠] .
واختلف العلماء هل يمكن علمها في الآخرة؟
فقيل: لا، لأن علمها يقتضي الإحاطة به تعالى وهي ممتنعة.
وقيل: نعم، لحصول الرؤية فيها، ورد بأن الرؤية لا تفيد الحقيقة، والواجب على المكلف في الدنيا معرفته بوجه، وهو: بصفاته كما به أجاب موسى لفرعون لما قال: ?وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ? فقال: ?قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم