للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُّوقِنِينَ? [الشعراء: ٢٤] إجابه بالصفة لتعذر الجواب بالماهية، فظن فرعون أن موسى مخطئ في الجواب لعدوله عن الجواب المطابق لسؤاله، ولم يعلم بغباوته أنه هو المخطئ في السؤال، وأن ما أتى به الكليم في الجواب أقصى ما يمكن.

قال الرزركشي: وغاية معرفة الإنسان لربه أن يعرف أجناس الموجودات جواهرها وأعراضها المحسوسة والمعقولة، ويعرف أنها موضوعة ومحدثة، وأن محدثها يصح ارتفاع كلها مع قيامه، ولا يصح بقاؤها وارتفاعه.

وفي هذا المقام قال الصديق الأكبر: سبحان من لم يجعل لخله سبيلاً إلى معرفته، إلا بالعجز عن معرفة شيء.

قال الرازي: واعلم أن من عرف الله لا يخلو عن قبض وبسط، فإذا استغرق في عالم الجلال والعزة والاستغناء وقع في القبض والهيبة، فيصير كالمعدوم الفاني، وإذا استغرق في عالم الجمال والرحمة والكرم وقع في البسط والفرح والسرور، فيصير فرحاً بربه.

قيل: كان يحيى - عليه السلام - الغالب عليه الحزن والقبض، وكان عيسى - عليه السلام - الغالب عليه الفرح والسرور والبسط فتحاكما في هذه الواقعة إلى حضرة رب العزة، فأوحى الله تعالى إليهما إن أقربكما إليّ أحسنكما ظناً بي.

واستدل كثير من السلف على معرفة الله تعالى بطرق.

لطيفه: سأل جماعة من الكفار وكانوا سبعة عشر نفساً الإمام الشافعي ما الدليل على معرفة الصانع؟

فقال: ورقة الفرصاد أليس طعمها ولونها وريحها واحد عندكم قالوا: نعم فتأكلها دودة القز فيخرج منها الإبرسيم، والنحلة فيخرج منها العسل، والشاة فيخرج منها البعرة والظبية فينعقد في نوافحها المسك، فمن ذا الذي جعلها كذلك، مع أن الطبع واحد، فاستحسنوا منه ذلك وآمنوا على يديه.

وسئل أبو حنيفة عن معرفة الصانع فقال: إن الوالد يريد الذكر فيكون أنثى، ويريد الأنثى فتكون ذكراً، فدل ذلك على معرفة الصانع.

واستدل أحمد بن حنبل على معرفة الله تعالى بالبيض وخروج الفرخ منها، وقال: الدليل على الصانع قلعة حصينة ملساء لا فرجة فيها أي: لا باب، كالفضة المذابة والذهب الإبريز ثم انشقت الجدران وخرج من القلعة حيوان سميع بصير، فدل ذلك على اللطيف الخبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>