للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ البُخَارِي:

باب مَنْ قَالَ: «إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ»

لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ?وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ? [الزخرف: ٧٢] .

وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أهل الْعِلْمِ فِي قوله تَعَالَى: ?فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أجمعين * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [الحجر: ٩٢، ٩٣] عَنْ قَوْلِ لاَ إله إِلاَّ اللَّهُ.

وَقَالَ تعالى: ?لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ? [الصافات: ٦١] .

قوله: «باب من قال: الإيمان هو العمل لقول الله عز وجل ?وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ? [الزخرف: ٧٢] »

مقصود البخاري بهذا الباب الرد على المرجئة القائلين: بأن العمل لا يحتاج إليه مع الإيمان، وغلط غلاتهم فقالوا: إن ناطق الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقدها.

وأراد «بالعمل» ما هو أعم من عمل القلب واللسان والجوارح، واستدل على ذلك بآيات من كتاب الله تعالى، وحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

الآية الأولى: ?وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ? [الزخرف: ٧٢] يحتمل أن تكون مصدرية أي: بعملكم، ويحتمل أن تكون موصولة أي: بالذي كنتم تعملون، ووجه الاستدلال بها: لأن «تَعْمَلُونَ» بمعنى تؤمنون كما قاله المفسرون، فأطلقوا العمل وأريد به الإيمان، واستشكل العلماء هذه الآية وقالوا: الإرث يقتضي مورثاً، وهو الذي ينتقل منه الشيء بعد موته إلى غيره، ووارثاً هو الذي انتقلت إليه التركة، فإن أريد بالمورث في قوله: ?أُورِثْتُمُوهَا? الله، فالله سبحانه وتعالى حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم فكيف يقال ورث الجنة للمؤمنين؟

وأجابوا عن هذا الإشكال بأوجه:

الأول: أن المورث هو الكافر فإن الكافر لولا كفره لكان له نصيب في الجنة، فلما مات كافراً انتقل نصيبه إلى المؤمن، بسبب كفره الذي هو موت روحه، فالمورث هم الكفار والورثة هم المؤمنون.

الثاني: أن المورث هو الله تعالى والإرث هنا مجاز عن الإعطاء على طريقة إطلاق الكل وإرادة الجزء.

واستشكل العلماء أيضاً من جهة أخرى وقالوا: إن ظاهرها يقتضي أن دخول العبد إنما هو بسبب عمله مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لن يدخل أحدكم الجنة

<<  <  ج: ص:  >  >>