للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها فقلنا له: يا عبد الله كيف تجدك؟ قال: لا أدري ما أقول لكم إلا أنكم ستعاينون من لطف الله ورحمته ما لم يكن لكم في حساب، فما برحنا من عنده حتى غمضناه.

وقيل: إن الله سبحانه وتعالى ألطف وأرحم ما يكون بعبده إذا وضع في لحده ووضع خشن التراب على لين جلده، وجفاه من كان يرغب في قبوله ووده، فإذا وضع الميت على المغتسل أولاً، ودرج في ثيابه، وآيس من أحبابه فينادي: واسوأتاه وافضيحتاه، ولا يسمع نداءه إلا مولاه، فيجيه الحق جل جلاله ويقول: أنا سترك في الدنيا وأنا أسترك في الآخرة.

وقال لله دره:

يا من له ستر الجميل على الورى ... ويجود بالإفضال منه وبالقرى

ايدتني ورحمتني وسترتني ... وهديتني لطفاً وكنت مقصرا

وارحم بعفوك زلتي يا سيدي ... ومصون وجهي في التراب معفرا

وإذا خرج الميت من الدار على النعش فإنه يصيح: واغربتاه، فيقول الحق سبحانه وتعالى: عبدي إذا كنت اليوم غريباً فإني منك ما زلت قريباً، لا تخف فإني مقيل عثرتك، وراحم عبرتك، ومؤنس وحدتك.

وقال لله دره:

يا راحم الغرباء من جوده ... قد عمني يا مؤنسي في وحدتي

أمسيت من أهلي غريباً مفرداً ... ولأنت يا مولاي راحم غربتي

فإذا وضعوه في اللحد ووضعوا خشن التراب على لين جلده، ثم تركوه وانصرفوا ومضوا عنه فيصيح: يا وحدتاه، فيناديه الكريم الرؤوف الرحيم: عبدي هل تستوحش وأنا أنيسك، هل تشكو الوحدة وأنا جليسك، يا عبدي ألست بربك؟ فيقول: بلى يا ربي، فيقول: كيف تركت ما أمرتك به وتبعت ما نهيتك عنه، أما علمت أن مرجعك إليّ، وأعمالك معروضة علي وبين يدي، أنسيت عهدي أم أنكرت وعيدي ووعدي، فالآن تخلى عنك الصاحب والصديق، وتجردت عن المال الوثيق، فلا المال نفعك في مآلك، ولا الصديق خلصك من قبح أفعالك، فما حجتك ومعذرتك؟ فيقول: يارب احتوى على قلبي حب الدنيا وحب المال، فحملاني على الذنوب والأثقال وها أنا قد صرت في دوارك وأنا الليلة ضيفك، فلا تعذبني بنارك، وإن لم ترحمني أنت فمن يرحمني؟ فيقول الله تعالى: يا عبدي مضوا عنك وتركوك، ولو أقاموا عندك ما نفعوك، إلى بأبي وجهوك، وعلى كرمي خلفوك، يا عبدي طب نفساً وقر عيناً فأنت الليلة

<<  <  ج: ص:  >  >>