للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذا كل من وصل إليه إحسان من غيره. سواء كان ذلك الإحسان مالاً أو علماً أو جلب نفع أو دفع ضرر. إذا أنكره وجحده. كأن قال: فلان لم يفعل معي خيراً قط. حرام وكبيرة.

فإذا قرأ إنسان على غيره قرآناً أو علماً من العلوم أو سلكه أو رباه أو دله طريق من طرق أهل الخير ونحو ذلك. ثم أنكر ذلك. وقال: فلاناً لم أقرأ عليه شيئاً. أو لم يسلكني. أو ليس بشيخي. أو لم أنتفع به. أو نحو ذلك فهو حرام. لما في ذلك من حجد النعمة التي وصلت إليه.

وإنما كان جحد النعمة حراماً معدوداً من الكبائر لأن المرأة إذا جحدت نعمة زوجها فقد جحدت نعمة الله. لأن هذه النعمة التي وصلت إليها من زوجها هي بالحقيقة واصلة من الله.

قال شيخ الإسلام تاج الدين السبكي: اعلم أن كل من وصل إليك على يديه خير من المخلوقين فهو في قبضة رب العالمين. فاشكره وحده لا تشرك به أحداً. واعلم أن المخلوق مضطر. سلط الله عليه الإرادة. وألقى في قلبه أن يعطيك فلم يجد بعد ذلك سبيلاً إلى دفعك. ولا يعطيك إلا لغرض نفسه. لا لغرضك. ولو لم يكن له غرض في الإعطاء لما أعطاك ولو لم يعتقد أن له نفعاًَ لما نفعك. فهو إذاً إنما يطلب نفع نفسه بنفعك. ويتخذك وسيلة إلى نعمة أخرى يرجوها لنفسه. وما أنعم عليك إلا الذي سخره لك. وألقى في قلبه ما حمله على الإحسان عليك.

وهنا سؤال وهو أن يقال: إذا كان المنعم بالحقيقة هو الله. وأن النعمة التي صدرت من العبد إنما هي من الله أجراها على يد العبد. فلأي شيء يستحق العبد شكر هذه النعمة كما ورد في سنن أبي داود عن أبي هريرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» (١) .

وفي الترمذي: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» (٢) لفظ آخر: «من لم يشكر


(١) أخرجه أبو داود في سننه (٤/٢٥٥ رقم ٤٨١١) . وابن حبان في صحيحه (٨/١٩٨. رقم ٣٤٠٧) . وأحمد في مسنده (٢/٢٩٥. رقم ٧٩٢٦) . والطيالسي في مسنده (ص: ٣٢٦. رقم ٢٤٩١) . والبيهقي في سننه الكبرى (٦/١٨٢. رقم ١١٨١٢) . والبخاري في الأدب المفرد (١/٨٥. رقم ٢١٨) . والقضاعي في مسند الشهاب (٢/٣٥. رقم ٨٢٩) . والبيهقي في شعب الإيمان (٦/٥١٦. رقم ٩١١٧) عن أبي هريرة.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه عن أبي هريرة (٤/٣٣٩ رقم ١٩٥٤) وقال: حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>