للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدنيا لم يشربها في الآخرة. ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة. ومن أكل في صحائف الذهب والفضة في الدنيا لم يأكل فيها في الآخرة قال عليه الصلاة والسلام: «إنه لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» (١) فمن استوفى طيباته ولذاته وأذهبها في هذه الدار حرمها الله عليه في الآخرة. هذا إذا مات من غير توبة فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون. ومن استوفى هنا حرم هناك أو نقص كمالهم.

الخامسة عشر: زوجة الإنسان في الدنيا هي زوجته في الآخرة. فإن تزوجت بأزواج قيل: تخير بين الأزواج.

قال القاضي أبو بكر بن العربي: إذا كانت المرأة ذات أزواج فهي لمن مات عنها من الأزواج آخراً. وعلى هذا جماعة من العلماء. فلهذا حرم الله نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده على أمته حتى لا يكن مع غيره يوم القيامة.

قال حذيفة لامرأته: «إذا سرك أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي من بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها» (٢) .

ولما مات أبو الدرداء خطب زوجته معاوية فأبت وقالت سمعت أبا الدرداء - رضي الله عنه - يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «المرأة لآخر أزواجها في الآخرة» وقال: «إن أردت أن تكوني زوجتي في الآخرة فلا تتزوجي من بعدي» (٣) .

قال في نزهة المجالس: مات رجل من بني إسرائيل وخلف امرأة وثلاث بنات. فلما انقضت عدتها تزوجت. فلما كان قبل الدخول بليلة رأت زوجها الأول مهموماً في المنام فسألته وقالت له: كيف حالك؟ قال: ما أسرع ما نسيتيني. قالت: ما نسيتك؟ فقال: لو لم يقع النسيان لما تزوجت بفلان. فلما أصبحت أخبرت نبي ذلك الزمان بما رأته وقالت: يا نبي الله أسأل فلاناً أن يطلقني فسأله فطلقها. فأوحى الله إليه قل للمرأة:


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٥/٢١٣٣. رقم ٥٣١٠) . ومسلم في صحيحه (٣/١٦٣٨. رقم ٢٠٦٧) . وأبو داود في سننه (٣/٣٣٧. رقم ٣٧٢٣) . والترمذي في سننه (٤/٢٩٩. رقم ١٨٧٨) وقال: حسن صحيح. والنسائي في سننه (٨/١٩٨. رقم ٥٣٠١) . وابن ماجه في سننه (٢/١١٣٠. رقم ٣٤١٤) عن حذيفة.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧/٦٩. رقم ١٣١٩٩) .
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط (٣/٢٧٥. رقم ٣١٣٠) . وفي الشاميين (٢/٣٥٩. رقم ١٤٩٦) . وقال الهيثمي (٤/٢٧٠) : فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>