للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية عنده فلهذا لما قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنك امرؤ فيك جاهلية» على ساعتي هذه من كبر السن قال: «نعم» كأنه تعجب من خفاء ذلك عليه مع كبر سنه، فكان بعد ذلك يساوي غلامه في الملبوس وغيره أخذاً بالأحوط، وإن كان لفظ الحديث يقتضي المواساة لا المساواة.

ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر: «إخوانكم خولكم» (١) قيل: هو من باب القلب المورث لملاحه الكلام الشاعر:

نُمَّ وإِنْ لَمْ أَنَمْ كَرَاي كَرَاكا ... شاهدي الدمع إِنَّ ذاك كَذَاكا (٢)

والأصل في حديث: «إخوانكم خولكم» أي: عبيدوكم وإماؤكم إخوانكم أي: في الإسلام، وإنما قيل لهم: «خول» لأنهم يتخولون الأمر أي: يصلحونها.

«جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتوهم فأعينوهم»

في الحديث دلالة على تحريم سب العبيد وتعييرهم بأبائهم، وفيه حث على الإحسان إليهم وإلى كل من يوافقهم في المعنى، ممن جعله الله تعالى تحت يد ابن آدم كالأجير والخادم، فلا يجوز لأحد أن يعير خادمه سواء أكان رقيقاً أو غيره ولا أجير بشيء من المكروه، يعرفه في أصوله وخاصة نفسه، إذ لا فضل لأحد على غيره إلا بالإسلام والتقى.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقى» (٣)

وقال الله تعالى: ?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ? [الحجرات: ١٣] .

وهذه الآية نزلت في حق بلال فإنه يوم فتح مكة رقى على ظهر الكعبة وأذن فقال بعض أهل مكة هذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة، فأنزل الله الآية (٤) .


(١) أخرجه البخاري (٥/٢٢٤٨، رقم ٥٧٠٣) .
(٢) البيت للشيخ أبي علي، وهو من بحر الخفيف، قاله شيخ البلاغين عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز (ص ٢٨١) وقال: ينبغي أن يكون «كراي» خبراً مقدماً، ويكون الأصل «كراك كراي» أي: نم وإن لم أنم فنومك نومي، كما تقول: قم وإن جلست فقيامك قيامي.
(٣) أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان (٤/٢٨٩، رقم ٥١٣٧) عن جابر.
(٤) أورده السيوطي في الدر المنثور (٧/٥٧٨) وقال: أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن أبي مليكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>