وقد قدمنا في أول الكلام على صحيح البخاري أن السودان من أولاد حام بن نوح، وذكرنا أن سبب مجيئهم سودان مع أن أباهم حاماً كان أبيض هو: أن نوحاً أمر أن لا يقرب ذكر أنثى ما دام في السفينة، فواقع حام امرأته في السفينة، وخالف أباه فدعى الله نوح أن تُغير نطفته وغيرها الله تعالى، ورزقه ولداً أسود وجاءت جميع أولاده سودان.
في الحديث دلالة كما قاله النووي على أن الدوآب ينبغي أن يحسن إليها.
وفيه دلالة على تحريم ترفع الإنسان على المسلم، وإن كان عبداً.
وفيه دلالة على إطلاق الأخ على الرقيق.
وقد ذكر العلماء مسائل متعلقة بالرقيق، ومسائل متعلقة بالدآبة:
أما المتعلق بالرقيق، فمما قالوا: لا يجوز للسيد أن يكلف رقيقه من العمل إلا ما يطيق الدوام عليه، فلا يجوز أن يكلفه عملاً يقدر عليه يومين أو يوماً ثم يعجز عنه فإذا استعمله نهاراً أراحه ليلاً، وكذا بالعكس، ويريحه في الصيف في وقت القيلولة، ويستعمله في الشتاء بالنهار مع طرف الليل، ويتبع في جميع ذلك العادة الغالبة، ويجب على العبد بذل المجهود، وترك الكسل.
ومنها: أنه يجب على السيد نفقته وكسوته ولو كان صغيراً أو أعمى أو مرهوناً أو مستأجراً.
وفي الحديث:«كفى بالمرء إثماً أن يحبس عن من يملك قوته»(١) .
فإن كان العبد كسوباً فكسبه لسيده، فإن شاء أخذه وأنفق عليه من ماله، وإن شاء أنفق عليه من كسبه فإن لم يكف كسبه بالنفقة فالباقي على السيد، وإن زاد فالزيادة للسيد، ولا يجوز الاقتصار بالكسوة على ستر العورة، وإن كان لا يتأذى بحر ولا برد، ولو تنعم السيد في الطعام والكسوة استحب له أن يدفع للعبد مثله، كما كان أبو ذر بعد قصته مع بلال يساوي عبده في ذلك، ولا يجب عليه ذلك، وإذا كان للإنسان عبيد يستحب له أن يسوي بينهم في الطعام والكسوة، ويكره له أن يفضل النفيس على الخسيس، بخلاف ما إذا كان له جوار فيستحب له أن يفضل ذات الجمال والرفاهية على غيرها.
ومنها: إذا تولى رقيقه معالجة طعامه وحمله وجاء به إليه، فيبنغي له أن يجلسه على
(١) أخرجه مسلم في صحيحه (٢/٦٩٢، رقم ٩٩٦) عن عبد الله بن عمرو.