وينبغي للسائل إذا ألقى لغزاً على غيره أن لا يبالغ في تعتيمه وإخفائه على المسئول، بحيث لا يحصل باب يدخل منه، بل ينبغي أن يقرب له حتى يقع في فكره فيحصله كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه ألقى السؤال عليهم والجمار في يده، لعل أن يهتدوا بها إلى النخلة، وما اهتدى منهم إلا عبد الله.
وكما ألغز شيخ الإسلام ابن حجر في عود الأراك فقال:
أراك تروم إدراك المعاني ... ثم أرعوى ثم انتهى ثم أعترف
فما شيء له طيب وطعم ... وذاك الشيء في شعري مسما
فأول ما قال في لغزه: أراك، ليبقى للمسئول باباً لمعرفته.
وجاء في رواية: أن عبد الله بن عمر قال حدثني أبي بما وقع في نفسي بعد أن فسرها لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنها النخلة، وقلت: عرفتها ولكن كرهت أن أتقدم عليكم بالكلام، فقال له أبوه لأن تكون قلتها أحب لي من كذا وكذا.
وإنما تمنى عمر أن يكون ولده أجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على السؤال قبل أن يبينه لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لما طبع عليه الإنسان من محبة الخير لنفسه ولولده، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره، ليزداد من النبي - صلى الله عليه وسلم - حظوة، ولأنه كان يرجو أن يدعو إلى ذلك في الزيادة في الفهم.
فقوله في الحديث: «وإنها مثل المسلم» أي: تشبه المسلم، فاختلف العلماء في وجه الشبه بين النخلة والمسلم.
فقيل: وجه الشبه أن النخلة إذا قطع رأسها تموت، وقيل: وجه الشبه أنها لا تحمل حتى تلقح وكذلك المسلم، وقيل: وجه الشبه أنها تموت إذا غرقت وكذلك المسلم، وقيل: وجه الشبه أن لطلعها رائحة مني الآدمي، وقيل: وجه الشبه أنها تعشق كما يعشق المسلم.
فقد حكي في كتاب مصارع العشاق أن بعض العارفين مر على نخلتين متغايراتين أحدهما خضراء يانعة، والأخرى صفراء متغيرة، فعرف بعين الفراسة أن الصفراء عاشقة للخضراء، فأخذ حبلاً وربط رأس الصفراء برأس الخضراء وواصل بينهما وتركهما ومضى ثم عاودهما فرأى الصفراء قد صارت باتصالها، والخضراء يانعة مثلها.
وقيل: وجه الشبه أنه تشرب من أعلاها كالمسلم.
قال شيخ الإسلام: وكل هذه الأوجه ضعيفة لأن الكافر يشارك المسلم في ذلك، وقيل: وجه الشبه أنه خلقت من فضلة طينة آدم، فهي عمة لكل آدمي.