للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد حكي في كتاب نديم الكرماء: أن آدم لما أهبط إلى الأرض وباشر الحرث والزرع، تعب وتشعث جسده وشعره، فجاء جبريل فأزال العرق والغبار عن جسده، وأخذه من شعره ومن جسده، فأخذ آدم ذلك كله ودفنه في الأرض، ثم نام وانتبه وقد أنبت الله تعالى إلى جانبه نخلة عظيمة طارحة في ساعة واحدة، فكان خشبها من طين جسده وليفها من شعره، وجريدها من ظفره، فلهذا ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ترجموا عمتكم النخلة» .

هذا والصحيح أن هذا ضعيف فقد ضعفه ابن حجر وغيره وقال: قول من زعم أنها تشبه المسلم لكونها خلقت من فضلة طينة آدم ضعيف، فإن الحديث الوارد في ذلك لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - فما ينقله بعض الناس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أكرموا عمتكم» قيل: ومن عمتنا؟ قال: «النخلة» (١) لم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - والصحيح في وجه الشبه بين المسلم والنخلة كما ذهب إليه أكثر أهل العلم أنها أشبهت المسلم في كثرة برها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها ووجوده على الدوام، فمن حين أن يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعده يتخذ منه منافع كثيرة من خشبها وورقها وأغصانها، فتستعمل جذوعاً وحطباً وعصياً، وحصراً وحبالاً وأواني وغير ذلك، ثم ينتفع بنواها علفاً للإبل وغيرها، والمؤمن خير كله من كثر طاعاته ومكارم أخلاقه ومواظبته على عبادته من صلاته وصيامه وقراءته وذكره وصلته وصدقته وسائر الطاعات.

وفي هذا الحديث فوائد كثيرة:

منها: أنه يستحب للعالم أن يلقي المسائل الخفية على الطلبة ليمتحن أذهانهم ويختبر أفهامهم، ويبين ذلك لهم إن لم يفهموا وأما ما ورد في الحديث كما راوه أبو داود «أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الأغلوطات» (٢) وهي صعاب المسائل، فهو محمول على ما إذا سأل الإنسان شيئاً لا نفع فيه، وسأل ليعنت المسؤول أو يعجزه، فإن ذلك لا يجوز، وأما إذا سأل ليفيد وينفع فإنه سنة.


(١) أخرجه أبو يعلي في مسنده (١/٣٥٣، رقم ٤٥٥) ، والرامهرمزي في أمثال الحديث (١/٧٣، رقم ٣٥) ، والديلمي في الفردوس (١/ ٦٨، رقم ١٩٨) ، وأبو نعيم في الحلية (٦/١٢٣) عن علي.
قال الهيثمي (٥/٣٩) : فيه مسرور بن سعيد، وهو ضعيف.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه (٣/٣٢١، رقم ٣٦٥٦) . وأخرجه أيضاً: أحمد في مسنده (٥/٤٣٥، رقم ٢٣٧٣٨) ، والطبراني في الكبير (١٩/٣٨٠، رقم ٨٩٢) ، وفي الأوسط (٨/١٣٧، رقم ٨٢٠٤) عن معاوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>