أداء، وإذا فات الإنسان صلاة العشاء مثلاً فقضاها نهاراً يستحب الإسرار فيها، ولا يستحب الإسرار فيها لو صلاها أداء.
ومنها: أنهم قالوا: أي ثوب متنجس صلى فيه صحت صلاته، وإن صلى عليه أو حمله في كمه ونحوه لا تصح صلاته؟ وصوروا ذلك بالثوب الذي أصابته نجاسة معفو عنها كدم البراغيث ونحوها.
فائدة: ينبغي لمن سمع مسألة أو لغزاً وكان ظاهره قبيحاً أن لا ينكره أولاً، بل يتفكر فيه ويتأمله، فإن لم يعرفه يفحص عنه من قائله أو غيره، فإن من اعتمد على ظواهر الألفاظ غير متأمل فيها يوقع الخلق في جهل عظيم، ويقع هو في إثم كبير، وربما يقضي السامع على القائل بالكفر، ويقول فلان تكلم بكلام كفري، فيقع في الخطأ العظيم، فقد حكى العلامة التاج السبكي أن شخص أحب الاجتماع بالمأمون أمير المؤمنين فلم يمكنه التوصل إليه، فاحتال بحيلة وهي أنه قام في ملأ من الناس وقال: أيها الناس قفوا واسمعوا ما أقول لكم، ولست بفقير أطلب منكم شيئاً، ثم قال: اعلموا أن عندي ما ليس عند الله، ولي ما ليس لله، ومعي ما لم يخلق الله، وإني أحب الفتنة، وأكره الحق، وأقول إن اليهود قالت حقاً، وإن النصارى قالت حقاً، ومعي زرع ينبت بغير بذر، وسراج يضيء بغير نار، وأنا أحمد النبي، وأنا ربكم أرفعكم وأضعكم، فقاموا إليه وكادوا يأتون على نفسه وقالوا: لا كفر فوق هذا وصاروا به إلى المأمون، فلما مثل بين يديه وأعاد القول على أمير المؤمنين ثم أخذ يبينه فقال: أما قولي: لي ما ليس لله فإن لي صاحبه وولد وليس لله صاحبه ولا ولد تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وأما قولي: عندي ما ليس عند الله فعندي الجور والظلم والله تعالى منزه عنهما، وأما قولي: معي ما لم يخلق الله فمعي القرآن، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأما قولي: إني أحب الفتنة فالمراد بها المال والولد وهما محبوبان مع أنهما فتنة كما نطق به القرآن، وأما قولي: أكره الحق فالمراد بالحق الموت فإنه حق مكروه، وأما قولي: وأقول أن اليهود قالت حقاً والنصاري قالت حقاً، فالحق الذي قالته اليهود والنصاري ما أشار إليه الله إليه بقوله: ?وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيءٍ? [البقرة: ١١٣] وأما قولي: ومعي زرع ينبت بغير بذر فهو شعر الرأس، وأما
قولي: ومعي سراج يضيء بغير نار فهما العينان، وأما قولي: أنا أحمد النبي والنبي منصوب على المفعولية بأحمد، وأحمد فعل والمعنى أنا أحمد النبي أي: أشكر نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأما قولي: أنا ربكم أرفعكم وأضعكم فالمعنى: أنا صاحبكم فإن رب بمعنى