صاحب أرفع الكم وأضعه، فاستحسن المأمون ذلك وأصغي إلى كلامه وقضى حاجته.
وفي الحديث دلالة على بركة النخلة وما تثمره، ولفضل النخلة وبركتها شبه الله كلمة التوحيد بها في القرآن العظيم حيث قال سبحانه وتعالى: ?أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أصلها ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ? [إبراهيم: ٢٤] قال المفسرون الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله، والشجرة الطيبة هي النخلة فإنها طيبة الثمرة، أصلها ثابت في الأرض وفرعها إلى أعلاها في السماء، كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق، فإذا تكلم بها عرجت فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله.
وجاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«إذا قال العبد لا إله إلا الله يصعد بها الملك إلى السماء، فيستقبله في السماء ملك آخر فيقول من أين؟ فيقول: وأنت إلى أين؟ فيقول: أنا صاعد بشهادة فلان إلى الله تعالى، فيقول: وأنا نازل إليه من عند الله ومعي براءة من النار» .
وقد ذكر الفخر الرازي في كتابه أسرار التنزيل وجه تشابه كلمة التوحيد بالنخلة من وجوه ستة:
الأول: شجرة النخلة لا تنبت في جميع البلدان، كذلك التوحيد لا يجري على كل لسان.
الثاني: أن شجرة النخلة أطول الأشجار، وكذلك كلمة التوحيد أعلى الكلمات.
الثالث: أن الشجرة ثابتة في الأرض وفرعها في السماء، كذلك هذه الكلمة الطيبة ثابتة في القلب وهو المعرفة، وفرعها ثابت في السماء ?إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ? [فاطر: ١٠] .
الرابع: أن شجرة النخلة تحمل كل سنة مرتين كذلك الإيمان يحمل في الدنيا مرة ويثاب لأجل إيمانه أهلية الشهادة والولاية والأمانة، ومرة أخرى في الآخرة وهي الجنة الباقية والنعمة الدائمة.
الخامس: أن النخلة وإن حصل في وسط ثمرتها نواة لا خير فيها ولا منفعة، فإن قيمة تلك الثمرة لا تنقص بسبب تلك النواة، وكذا كلمة التوحيد وإن كان يحصل معها شيء من المعاصي لا تنقص بسبب ذلك، قال تعالى: ?قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً?