أحدها: أن معنى «كتب» أي أمر غيره بالكتابة، فنسب الفعل إليه على سبيل المجاز.
الثاني: أن الله أوحى إليه أن يكتب.
الثالث: أن الكتابة وإن لم يكن يحسنها صدرت منه حقيقة في بعض الأوقات، فيكون ذلك من قبيل معجزاته الخارقة للعادة، وقد عدوا من معجزاته أنه كان ينظر إلى المكتوب ويعرفه فتنطق له الحروف وتبين له المعنى المراد.
وكما كان - صلى الله عليه وسلم - تحرم عليه الكتابة كان يحرم عليه أخذ الزكاة والصدقة والكفارة والمنذورات، ونزع لامته إذا لبسها حتى يقاتل، أو يحكم الله بينه وبين عدوه بما شاء، وكان يحرم عليه قول الشعر وروايته.
قال تعالى: ?وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ? [يس: ٦٩] .
واختلف العلماء كما قاله البغوي في النبي - صلى الله عليه وسلم - هل كان يحسن الخط ولا يكتب الشعر ولا يقوله أم لا يحسنها؟
فقيل: كان يحسنهما ولا يفعلهما، والأصح: أنه كان لا يحسنهما ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه، ومما يدل على أنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يحسن الشعر أنه ذكر يوماً قول طرفه بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فقدم فيه وأخر وقال:
يأتيك من لم تزود بالأخبار
فقال له أبو بكر: يا رسول الله لم يقل هكذا، وإنما قال:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فقال - صلى الله عليه وسلم -: «كلاهما سواء» . فقال: أشهد أنك لست بشاعر ولا تحسنه. قاله ابن الملقن في باب هل تنبش قبور الجاهلية في كتاب الصلاة.
فإن قيل: إذا كان قول الشعر حراماً عليه - صلى الله عليه وسلم - فكيف نقل عنه أنه قال:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
وقال:
هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
وأجابوا عن ذلك بأجوبة: