للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: أن هذا ليس بشعر لأنه صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير قصد، والشعر هو الكلام الموزون المقفى بالقصد، وقد وقع في كلام الله من ذلك كثيراً قال تعالى: ?لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ? [البقرة: ٩٢] .

الثاني: أن مشطور الرجز عند الأخفش وغيره ليس بشعر.

وقوله: «لأنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً» المعنى: كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاباً إلى العجم وإلى الروم بلا ختم، فقيل له: يا رسول الله إنهم أي الأعاجم والأروام لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً، والحكمة في أنهم كانوا لا يقرؤون إلا الكتاب مختوماً خوفاً من كشف أسرارهم وأشعار بأن الأحوال المعروضة عليهم ينبغي أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم، وفي هذا دلالة على أنه يسن للسلطان والقضاة والحكام ختم كتبهم، وقد صف الله كتاب سليمان الذي أرسله إلى بلقيس مع الهدهد بأنه كتاب كريم، وإنما وصفته بذلك لأنه كان مختوماً.

وقوله: «فاتخذ خاتماً» أي: لما قالوا له - صلى الله عليه وسلم -: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً أي: بخاتم، اتخذ له خاتماً من فضة نقشه «محمد رسول الله» وصار يختم به الكتب الذي يرسلها إلى الكفار، حتى يقرؤوا كتابه.

وفيه دلالة على جواز مكاتبة الكفار، وقد كاتب جماعة من ملوك الكفار من جملتهم كسرى ملك فارس.

وكسرى بفتح الكاف وفتحها والكسر أفصح فارسي معرب: لقبه، وأما اسمه فقيل: أنوشروان بن هرمز، والصحيح كما قاله ابن حجر في اسمه: ابرويز بن هرمز بن أنوشروان، قال: ووهم من قال: أنه أنوشروان (١) .

وملك كسرى الكافر سبعاً وأربعين سنة وسبعة أشهر، أرسل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابه مع عبد الله بن حذافة يدعوه إلى الدخول في الإسلام، فلما دفع إليه عبد الله بن حذافة الكتاب وقرئ عليه أخذه ومزقه، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك دعا عليه وقال: «اللهم مزق ملكه» (٢) أي: فرقه وشتته، فمزق الله ملكه كل ممزق، وسلط الله عليه ولده فمزق بطنه.

فقد نقل علماء التاريخ: أن كسرى كان له ولد يقال شيرويه، أراد قتل كسرى


(١) انظر فتح الباري (١/١٥٥) .
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (١/٢٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>