للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سليمان فيطردونه

ويقولون: ما يكفيك ما أنت فيه حتى تكذب على سليمان، وسليمان جالس على كرسيه، فمر في طريقه بباب في شارع وقد أجهده الجوع والعطش والحر، فطرق ذلك الباب فخرجت له امرأة فقالت: ما حاجتك؟ فقال قد أحترقت رجلاي من شدة الحر، وأجهدني الجوع والعطش، وأريد ضيافة ساعة لأستريح، فقالت: زوجي غائب ولا يسعني أن أدخل رجلاً غريباً علي، ولكن هذا البستان لنا فادخل إليه فإن فيه ثماراً وماء فكل من ثماره وتبرد من مائه، فإذا جاء زوجي أضفناك فدخل البستان فاغتسل ووضع رأسه ونام، فآذاه الذباب، فجاءت حية سوداء فأخذت ريحانه من البستان بفيها، ثم جاءت إلى سليمان فجعلت تذب عنه الذباب، حتى جاء زوج المرأة فقصت عليه القصة، فدخل على سليمان وهو نائم، فرأى الحية تنش عنه، فدعا امرأته وقال لها: انظري إلى العجب، ثم مشيا إليه فأيقظاه وكان لهما بنت من أجمل نساء زمانهما فقال له الرجل: هذه ابنتي قد زوجتكها، فتزوجها وأقام عندهم ثلاثاً، ثم قال: لابد لي من طلب المعيشة والكسب والحرفة، لأنفق علي وعلى أهلي، فخرج من عندهم حتى وصل إلى جماعة صيادين فقال لهم: أنا أعينكم فيما أنتم فيه، واجعلوا إلى سهماً من صيدكم، وكل أحد يرزقه الله فقالوا: لا حاجة لنا فيك، فمضى إلى جماعة آخرين صيادين وعرض نفسه عليهم فقبلوه وقالوا: لك العز والكرامة فأقام معهم، وفي آخر النهار يأخذ ما حصل له من الصيد وينصرف إلى أهله، واستمر سليمان مفارقاً لملكه أربعين يوماً، فلما فرغت الأربعون وتسلط ذلك الشيطان على جميع ما يملكه سليمان إلا على نسائه حفظهم الله لسليمان، وصار يقع من ذلك الشيطان أفعال تخالف أفعال سليمان وحكمه، فأنكرت الناس عليه هذه الأفعال، وقال آصف: يا معشر بني إسرائيل هذه الأفعال هي أفعال سليمان وأحكامه؟ فقالوا: لا، فلما رأي الخبيث أن الناس قد علموا بأحواله انطلق بالخاتم فألقاه في البحر، فاستقبله حوت فابتلعه فأضاء جوف ذلك الحوت من نور الخاتم، ثم ساقه الله

تعالى إلى أن وقع في شباك الصيادين الذين كان سليمان معهم، فلما أمسوا قسموا السمك فطلع ذلك الحوت من قسم سليمان، فذهب به إلى أهله، فأمرهم أن يصنعوه فلما شقوا بطنه أضاء البيت نوراً من خاتمه، فدعت المرأة سليمان فأرته الخاتم، فتختم به وخر ساجداً لله وقال: إلهي لك الحمد على قديم بلائك، وحسن صنيعك إلى آل داود، إلهي أنت ابتداتهم بالنعم وأورثتهم الكتاب والحكم والنبوة فلك الحمد، إلهي تجود بالكثير وتلطف بالصغير، فلك الحمد على نعمائك، إذا ظهرت فلا تخفى، وإذا بطنت فلا تحصى فلك الحمد، إلهي فأتم نعمتك علي، واغفر لي ما سلف، وهب لي ملكاً لا ينبغي

<<  <  ج: ص:  >  >>