للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخضر وإلياس، واثنان في السماء وهما إدريس وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (١) .

أما سبب حياة الخضر - عليه السلام - فهو أنه شرب من عين الحياة، وسبب شربه منها أن ذا القرنين كان عبداً صالحاً ملك ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة اسمه «رِيَافِيل» يأتي ذا القرنين ويزوره، فبينما هما يوماً يتحدثان قال ذو القرنين: يا ريافيل أخبرني كيف عبادتكم في السماء؟ فبكى وقال: يا ذا القرنين وما عبادتكم في الأرض عند عبادتنا في السماوات، من الملائكة من هو قائم أبداً، ومنهم الساجد لا يرفع رأسه أبداً، ومنهم الراكع لا يستوي قائما أبداً، ومنهم الواضع وجهه لا يجلس أبداً، ومنهم من يقولون: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح، ربنا ما عبدناك حق عبادتك، فقال ريافيل: أو تحب ذلك؟ قال: نعم، قال: فإن لله عينا في الأرض تسمى عين الحياة، فمن شرب منها شربة لن يموت حتى يكون هو الذي يسأل الموت، فقال: يا ريافيل هل تعلمون بمحل تلك العين؟ فقال: لا غير أننا نتحدث في السماء أن لله ظلمة لم يطأها أنس ولا جن، فنحن نظن أن تلك العين في الظلمة، فجمع ذو القرنين الحكماء والعلماء وسألهم عنها، وفي أي جهة هي، فقال له عالم كبير: إنها عند قرن الشمس فسار ذو القرنين يطلب مطلع الشمس إلى أن بلغ طرف الظلمة ثنتي عشر سنة، فإذا هي ظلمة ليست بليل، تثور مثل الدخان، فسلك ذو القرنين الظلمة ومعه الخضر وكان وزيره وابن خالته، وأخفى ذو القرنين عليه أمره، فوقع الخضر بالعين في واد فإذا ماء أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل الشهد، فشرب وتوضأ اغتسل ولبس ثيابه، وصلى شكر الله تعالى - عز وجل -، وأخفى ذلك على ذى القرنين، وجاوزها ذو القرنين واستمر ذو القرنين أربعين يوماً وليلة، حتى جاوزها إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر، وأرض حمراء ورمل، ثم رجع ولم يقع بها.

وأما سبب حياة إلياس - عليه السلام - فما روي أنه كان قد بعث إلى بني إسرائيل فرأى منهم أذىً شديد، وإنهم لا يزدادون إلا طغياناً، فسأل ربه أن يريحه منهم، فقيل له فيما يزعمون: انظر يوم كذا وكذا فاخرج فيه إلى موضع كذا وكذا، فما جاءك من شيء فأركبه ولا تهابه، فخرج إلياس ومعه اليسع حتى إذا كان بالموضع الذي أمر أقبل فرس من نار، وقيل: لونه كلون النار حتى وقف بين يديه فركب عليه، فانطلق به الفرس، فناداه اليسع: يا إلياس فما تأمرني، فقذف إليه بكسائه من الجو الأعلى وكان ذلك


(١) انظر: تفسير البغوي (٣/٢٠٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>