للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علامة استخلافه إياه على بني إسرائيل، فكان ذلك آخر العهد به ورفع الله إلياس من بين أظهرهم، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وكساه الريش فكان ملكاً ارضياً سماوياً.

وأما سبب حياة عيسى ورفعه إلى السماء فهو ما نقل عن كعب الأحبار: أن رجلاً يهودياً منافقاً يحب عيسى في الظاهر ولا يؤمن به، وكان اليهود قد وكلوه في قتله غيلة، وكان إذا رأى منه المعجزات يقول في الباطن كل هذا سحر، وكان عيسى بن مريم يعلم منه النفاق، فلما أتى عيسى بيت المقدس واليهودي معه طلع اليهودي إلى اليهود، وقال: أدركوا عيسى بن مريم فهو في المكان الفلاني فاقتلوه، فحول الله تعالى صورة اليهودي على صورة عيسى، فلزمه اليهود وقالوا له: أنت عيسى وأخذوه وصلبوه، وهو يستغيث ويقول: أنا فلان ابن فلان أنا عدو عيسى الذي دللتكم عليه، فقالوا: تكذب، ورفع الله عيسى إلى السماء كما أشار الله إلى ذلك بقوله: ?وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً? [النساء: ١٥٧، ١٥٨] فهو حي في السماء.

وقال بعض العلماء: إن عيسى لما كان في المكتب كان يقرأ لهم التوراة، ويخبر الصبيان بما في بيوتهم، وما خبأت لهم أمهاتهم، فيجيء الصبي إلى أمه فيخبرها بما أكلت، فتقول: من أعلمك بذلك؟ فيقول: عيسى، فقال الناس: هذا سحر نمنع أولادنا من المكتب وألا نسلك هذا المذهب، وكان عيسى يجيء إلى البيوت ويدعو الصبيان إلى المكتب والصبيان يختفون منه، فتقول الأمهات: ليس فلان في الدار، فيقول عيسى: بلى قد اختفى في التنور أو في المخدع أو في المسطح فيكون كما قال، وإذا قال للمرأة: ابنك في التنور فتقول: ما في التنور إلا خنزيراً فيقول عيسى: اللهم اجعله كذلك فتلحق ولدها فتجده كذلك خنزيراً، فصار في بيوتهم خمسمائه خنزير بدعائه عليهم، فعظم ذلك على بني إسرائيل وطلبوه ليقتلوه، فلما بلغ ثلاثاً وثلاثين سنة كثرت أعداؤه، واشتد طلب اليهود له، ونادوه يا ساحر يا ابن الساحرة، قال: «إلهي إنك خلقتني، وإلى هؤلاء بعثتني، وبدعائهم إليك أمرتني، وأمي تلك الصالحة وقد قالوا في حقنا ما قالوا، فامسخهم خنازير» فمسخهم الله خنازير فعاشوا ثلاثة أيام وماتوا، فقصدت طائفة اليهود إلى ملك بني إسرائيل وقالوا: إن لم تقتل هذا وإلا فعل بنا كما فعل بغيرنا، فأرسل إليه رجلاً من المتمردين يقال له «مطيانوس» فقال أنا أقتله، فرفع الله عيسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>