للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعمل هو به (١) .

فائدة مناسبة لهذا: حكى أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه روضة المشتاق إلى الملك الخلاق عن بعض السادة أنه قال: أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل ملك عبداً فعلمه شرائع الإسلام فأطاع وأحسن وعصى السيد، فإذا كان يوم القيامة أمر بالعبد إلى الجنة وأمر بسيده إلى النار، فيقول عند ذلك: واحسرتاه واغبناه، أما هذا عبدي، أما كنت مالكاً لمهجته وماله، وقادراً على جميع ماله، فماله سعد، ومالي شقيت، فيناديه الملك الموكل: لأنه تأدب وما تأدبت، وأحسن وأسأت.

ورجل كسب مالاً فعصى الله سبحانه وتعالى في جمعه ومنعه، ولم يقدمه بين يديه حتى صار المال إلى وراثه، فأحسن في أنفاقه وأطاع الله سبحانه في إخراجه، وقدمه بين يديه، فإذا كان يوم القيامة أمر بالوارث إلى الجنة وبصاحب المال إلى النار، فيقول: واحسرتاه واغبناه أما هذا مالي، فمالي ما أحسنت به أحوالي، فيناديه الملك الموكل به: لأنه أطاع الله تعالى وما أطعت، وأنفق لوجهه وما أنفقت، فسعد وشقيت.

ورجل علم قوماً فوعظهم فعملوا بقوله ولم يعمل، فإذا كان يوم القيامة أمر بهم إلى الجنة وأمر به إلى النار، فيقول: واحسرتاه واغبناه أما هذا علمي فمالهم فازوا به وما فزت، وسلموا به وما سلمت، فيناديه الملك الموكل: لأنهم عملوا بما قلت وما عملت، فسعدوا وشقيت.

فائدة أخرى: تقدم بعض الصالحين ليصلي بالناس إماماً فالتفت إلى المأمومين يعدل الصفوف، وقال لهم: استقيموا واستووا فغشي عليه، فسئل عن سبب ذلك فقال: لما قلت لهم استقيموا فكرت في نفسي فقلت لها: فأنت هل استقمت مع الله طرفة عين.

فائدة أخرى: ما ينبغي للإنسان ولو كان عاصياً أن يمتنع أن يعظ الناس بعد الرسول، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فإنه لو لم يعظ الناس ويعلمهم إلا معصوم من الزلل لم يعظ الناس بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحد، لأنه لا عصمة لأحد بعده.

وقيل للحسن: إن فلاناً لا يعظ ويقول: أخاف أن أقول مالا أفعل فقال الحسن: وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحداً بمعروف ولم ينيه عن منكر، وقل من سلم من المعصية، من ذا الذي ما سآء قط، ومن له الحسنى قط فلا ينبغي لذلك سد باب الوعظ والتذكير. قال ذلك ابن رجب في أول اللطائف.


(١) انظر: إحياء علوم الدين (١/٦٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>