للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فائدة: سئل العراقي - رضي الله عنه - من أحب علياً أكثر من أبي بكر وعمر وعثمان هل يكون بذلك آثماً أم لا؟

أجاب: بأن المحبة قد تكون لأمر ديني،، وقد تكون لأمر دنيوي، فالمحبة الدينية لازمة للأفضلية فمن كان أفضل كانت محبتنا الدينية له أكثر، فمتى اعتقد الإنسان أن أبا بكر أفضل ثم أحب علياً من جهة الدين أكثر، كان هذا تناقضاً وهو آثم بهذه المحبة، وأما المحبة الدنيوية فليست لازمة فإذا أحب علياً أكثر من أبي بكر لأمر دنيوي تكون من أقاربه وغير ذلك فلا تناقض في ذلك، وليس بآثم بهذه المحبة، إذ من اعترف بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر لكنه أحب علياً أكثر من أبي بكر فإنه كانت المحبة المذكورة محبة دينية فهذا لم يعترف بأفضلية أبي بكر إلا بلسان وأما بقلبه فهو مفضل لعلي لكونه أحب محبة دينية زائدة على محبة أبي بكر وهذا لا يجوز، وإن كانت المحبة المذكورة محبة دنيوية ككونه من ذرية علي - رضي الله عنه - أو لغير ذلك من المعاني فلا امتناع من ذلك والله اعلم.

وسنذكر في كتاب الوضوء طرفاً آخر من ترجمة سيدنا علي.

« ... سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ تَكْذِبُوا عَلَىَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ» (١) .


(١) للحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث فوائد عظيمة منها:
قوله: «لا تكذبوا علي» : عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب، ومعناه لا تنسبوا الكذب إلي. ولا مفهوم لقوله: «علي» لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: نحن لم نكذب عليه بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى، لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه. ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة واحتجوا بأنه كذب له لا عليه، وهو جهل باللغة العربية. وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ: «من كذب على ليضل به الناس ... الحديث» الحديث، وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف، وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى: ?فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِّيُضِلَّ النَّاسَ? [الأنعام: ١٤٤] والمعنى: أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى: ?لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً? [آل عمران: ١٣١] ?وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ? [الأنعام: ١٥١] فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم.
قوله: «فليلج النار» جعل الأمر بالولوج مسببا عن الكذب، لأن لازم الأمر الإلزام والإلزام بولوج النار سببه الكذب عليه أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ «من يكذب علي يلج النار» ولابن ماجه من طريق شريك عن منصور قال: «الكذب علي يولج -أي يدخل- النار» . انظر فتح الباري (١/١٩٩ - ٢٠٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>