للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والله لقد أنسيته مذ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك، فرجع الزبير على دآبته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله، وقال مالك يعنى رجعت قال: ذكرني علي حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لتقاتلنه وأنت له ظالم» ولا أقاتله ثم رجع منصرفاً إلى المدينة (١) .

قيل: علم أنه يقتل في ذلك اليوم فأنشد في حال رجوعه:

ولقد علمت لو أن علمي نافعاً ... أن الحياة من الممات قريب

فلما وصل إلى مكان بناحية البصرة يقال له: وادي السباع لحقه ابن جرموز، ومعه شخصان فقتلوه، ثم قطع ابن جرموز رأسه وجاء به علياً - رضي الله عنه - واستأذن في الدخول عليه فلم يأذن له بل قال لشخص عنده وقد علم بأن معه رأس الزبير: بشر قاتل ابن صفية بالنار.

ورأى علي سيفه بعد ذلك فتأمل وقال: طالما فرج بهذا السيف الكرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

كان قتله - رضي الله عنه - يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة ستة وثلاثين، وفي ذلك اليوم كانت وقعة الجمل، واختلف في سنة يوم قتل فقيل: سبع وستون سنة، وقيل: ست وستون سنة، وقيل: أربعة وستون، وقيل غير ذلك، ودفن في موضع قتله، ثم حول إلى البصرة، وقبره مشهور فيها.

روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانيه وثلاثون حديثاً، اتفقا منها على اثنين وانفرد البخاري بسبعة، أنشد فيه حسان بن ثابت:

أقام على هدي النبي وعهده ... حواريه والقول بالفعل يعدل

أقام على منهاجه وطريقه ... يولي ولي الحق والحق أعدل

هو الفارس المشهور والبطل الذي ... يصول إذا ما كان يوماً يحجل

له من رسول الله قربى قريبة ... ومن نصرة الإسلام مجد موثل

فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل

إذا كشفت عن ساقها الحرب هشها ... بأبيض سباق إلى الموت يرفل

فما مثله فيهم وما كان قبله ... وليس يكون الدهر ما دام يذبل

ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يا ابن الهاشميته أفضل


(١) أخرجه الحاكم بنحوه من طريق آخر عن على (٣/٤١٢، رقم ٥٥٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>