للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

« ... قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ إِنِّى لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ. قَالَ أَمَا إِنِّى لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» (١) .

قال البرماوى: هذا الحديث في نهاية الصحة، وقيل: إنه متواتر، وقال بعضهم: روي عن أكثر من ستين صحابياً، منهم العشرة المشهود لهم بالجنة، وقال بعض آخر: رواه مائتان من الصحابة.

قال ابن الصلاح: ثم لم يزل عدده في إزدياد على الاستمرار، وليس في الأحاديث


(١) للحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث فوائد منها:
قوله: «كما يحدث فلان وفلان» : سمى منهما في رواية ابن ماجه عبد الله بن مسعود.
قوله: «أما إني لم أفارقه» أي لم أفارق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زاد الإسماعيلي: «منذ أسلمت» والمراد في الأغلب وإلا فقد هاجر الزبير إلى الحبشة، وكذا لم يكن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال هجرته إلى المدينة. وإنما أورد هذا الكلام على سبيل التوجيه للسؤال، لأن لازم الملازمة السماع، ولازمه عادة التحديث، لكن منعه من ذلك ما خشيه من معنى الحديث الذى ذكره.
قوله: «من كذب علي» كذا رواه البخاري ليس فيه «متعمداً» وقد أخرجه الدارمي من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ: «من حدث عني كذبا» ولم يذكر العمد. وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدا أم خطأ، والمخطئ وإن كان غير مأثوم بالإجماع لكن الزبير خشى من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر، لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله، فيكون سبباً للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من إكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث. وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت، أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان. رضى الله عنهم.
قوله: «فليتبوأ» أي فليتخذ لنفسه منزلا، يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنا، وهو أمر بمعنى الخبر أيضاً، أو بمعنى التهديد، أو بمعنى التهكم، أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك.
وقال الكرماني: يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته، والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوء ويلزم عليه كذا، قال: وأولها أولاها، فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ «بنى له بيت في النار» .
قال الطيبي: فيه إشارة إلى معنى القصد في الذنب وجزائه، أي كما أنه قصد في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوء. انظر فتح الباري (١/٢٠٠ - ٢٠١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>