أحدهما: عدم التصديق بقول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى.
والثاني: الجهل بقدرة القادر وتعجيزها فإنه تعالى قادر أن يجعل رؤيته في النوم - صلى الله عليه وسلم - سبباً لرؤيته في اليقظة.
قال شيخنا جلال الدين السيوطي في كتابه تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - والملك: ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحة، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم بعدما قبضوا، وأذن لهم في الخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي، وقال: قال الأستاذ أبو منصور عبد الظاهر بن طاهر البغدادي من المتكلمين المحققين من أصحابنا: إن نبينا - صلى الله عليه وسلم - حي بعد وفاته، وأنه يبشر بطاعات أمته، ويحزن بمعاصي العصاة منهم، وأنه تبلغه صلاة من يصلي عليه من أمته، وقال: إن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئاً، وقد مات موسى في زمانه وأخبر نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه رآه في قبره مصلياً (١) .
وقال البيهقي: النبي - صلى الله عليه وسلم - حي بجسده وروحه، وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت، وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته، لم يتبدل منه شيء وأنه غيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم، فإذا أراد الله رفع الحجاب عمن أراد الكرامة برؤيته فيراه على هيئته التي هو عليها فلا مانع من ذلك، ولا داعي إلى التخصيص برؤية المثال، وأكثر ما يقع هذه الرؤية للعامة قبيل الموت عند الاحتضار فلا تخرج روح من رآه في منامه حتى يراه في اليقظة، وفاء بوعده - صلى الله عليه وسلم - وأما غير العامه وهم الخواص فتحصل لهم هذه الرؤية في طول حياتهم، إما كثيراً وإما قليلاً بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة، فالإخلال بالسنة مانع كبير.
وقد نقل عن كثير من السلف والخلف ممن كانوا رأوه - صلى الله عليه وسلم - في النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث، فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها، ونص لهم على الوجوه التي منها فرجها، فجاء الأمر
(١) أخرجه مسلم (٤/١٨٤٥، رقم ٢٣٧٥) ، والنسائي (٣/٢١٥، رقم ١٦٣١) ، وابن حبان (١/٢٤٢، رقم ٥٠) ، وابن أبي شيبة (٧/٣٣٥، رقم ٣٦٥٧٥) ، وأحمد (٣/١٤٨، رقم ١٢٥٢٦) ، وأبو يعلى (٦/٧١، رقم ٣٣٢٥) ، وعبد بن حميد (١/٣٦٢، رقم ١٢٠٥) ، وأبو نعيم في الحلية (٦/٢٥٣) عن أنس.