للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجابوا عن الاستشكال المذكور بأجوبة:

أحدهما: أن هذا على جهة التمثيل، والمعنى: أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله كنسبة ما نقر العصفور من البحر، فإنه لقلته وحقارته لا يظهر، وكأنه لم يأخذ شيئا.

الثاني: أن «إلا» هنا بمعنى «ولا» كأنه قال: ما نقص علمي وعلمك شيئاً من علم الله، ولا ما أخذ العصفور من هذا البحر، أي: أن علم الله لا يدخله النقص ومثل هذا قوله تعالى ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً? [النساء: ٩٢] .

والثالث: أن «إلا» على بابها، والمراد بالنقص: التفويت الذي له أثر محسوس، ونقر العصفور ليس ينقص البحر بهذا المعنى، فكذلك علمنا لا ينقص من علم الله شيئاً.

وهذا كقول الشاعر:

ولا عيب فيه غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

أي: ليس فيهم عيب.

الرابع: أن العلم هنا بمعنى: المعلوم كالعمل في قوله تعالى: ?وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ? [البقرة: ٢٥٦] ولولا ذلك لما صح دخول التبعيض فيه، لأن الصفة القديمة لا تبعض.

الخامس: لابن رجب وهو جواب حسن قال: إن البحر لا ينقص البتة من العصفور، بل ولا بشرب غيره من الحيوانات، بل ولا بالاستسقاء منه، ولو نزف منه جميه أهل الأرض لم ينقص شيئاً في الحقيقة، وذلك أن البحر يمده جميع أنهار الدنيا، ومياهها الجارية، فلا يؤخذ منه شيء، إلا وفي تلك الحال يستخلف فيه ما هو أكثر مما أخذ منه، فلا يتصور نقصه مع ذلك.

وشبه ذلك بما في الجنة من طعام وشراب وثمار وغيرها قال: فإنها لا تنقص أبداً مع تناول أهل الجنة منها، فإنه يستخلف في الحال مثل المأخوذ منه أو أكثر فالمعنى: إن علمي وعلمك لا ينقص من علم الله شيئاً كما لا ينقص هذا العصفور من هذا البحر شيئاً، وهذا كقوله تعالى: ?لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاماً? [مريم: ٦٢] أي: لا يسمعون فيها لغو البتة.

ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة» أي: بعد أن توسطوا البحر.

«فنزعه» وقيل: نزع لوحين منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>