تستطيع معي صبراً» يعني: إنك سترى مني شيئاً ظاهره منكر فلا تصبر عليه.
ثم قال له الخضر أيضاً: «يا موسى إني أعلم علم من علم الله علمينه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه إياه الله لا أعلمه» أنا.
جاء في رواية: «أن الخضر قال له: فما شأنك إن الوحي يأتيك يا موسى، إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه» .
ثم قال له: «وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً» يعني: على ما لم تعلمه.
«قال» له موسى: «ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً» : إنما قال موسى إن شاء الله لأنه لم يكن على ثقة من نفسه فيما التزم من عدم عصيانه، وهذه عادة الأنبياء والأولياء ألا يثقوا إلى أنفسهم طرفة عين.
فقال الخضر: «فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً» يعني: إذا رأيت مني ما تنكره باطناً بحسب علمك، فاصبر حتى أبينه لك بعلته بحسب علمي، فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم.
«فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، ليس لهما سفينة فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول» .
سؤال: فإن قيل: كيف قال «فحملوهما» مع أنهم كانوا ثلاثة الخضر وموسى ويوشع، ويدل عليه قوله: «فكلموهم» .
فالجواب: أن يوشع لما كان تابعاً اكتفي بذكر الأصل عن الفرع، وهذا نظير قوله تعالى: ?فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى? [طه: ١١٧] ولم يقل فتشقيان، بل ثنى ثم أفرد، لأن آدم هو الأصل فأفرد بالذكر، وحواء كانت تابعة فلم تذكر اكتفاءً بذكر الأصل عن الفرع.
فالحاصل: أن أهل السفينة حملوا الثلاثة في سفينتهم بغير أجرة.
«فجاء عصفور» وذكر بعضهم: أنه الصُّرَد قاله الزركشي.
«فوقع على حرف السفينة» أي: على طرفها «فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى، ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور» نقص علمي وعلمك من علم الله عز وجل لاكتفون هذا العصفور في البحر.
استشكل العلماء هذا وقالوا: إن ظاهره يقتضي أن علم الله يدخله النقص مع أن الزيادة والنقص لا يدخلان في علم الله تعالى؟