«فسلم موسى» على الخضر، «فقال» له «الخضر وأنى بأرضك السلام» أي: من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام، فأني اسم استفهام بمعنى: من أين هنا، كما في قوله تعالى: ?أَنَّى لَكِ هَذَا? [آل عمران: ٣٧] فإنها نكون بمعنى: من أين، وبمعنى: متى وحيث وكيف.
وتعجب الخضر من وقوع السلام إما لأن السلام لم يكن معروفاً عندهم إذ ذاك، إلا بين الأنبياء والأولياء، وإما لأن تلك البلاد كانت بلاد كفر وهم لا يعرفون السلام.
فلما قال له الخضر:«وأنى بأرضك السلام» تحقق موسى أن الخضر عرفه فعرَّفه بنفسه «فقال: أنا موسى فقال» له الخضر: أنت «موسى نبي بني إسرائيل؟ قال: نعم» .
وقال بعض العلماء: إن موسى لما سلم عليه وهو مغطى عرَّفه أنه موسى، فرفع رأسه واستوى جالساً وقال: عليك السلام يا نبي بنى إسرائيل، قال: ما الذي أدراك بي، ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل؟ قال: الذي أدراك بي ودلك علي، ثم قال الخضر: يا موسى أما يكفيك أن التوراة بيدك، وأن الوحي يأتيك، قال موسى: إن ربي أرسلني لأتبعك وأعلم من علمك.
ثم «قال» موسى للخضر: «هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً» أي: صواباً أرشد به، وإنما سأله ذلك لأن الزيادة إلى العلم مطلوبة.
سؤال لصاحب الكشاف وهو: فإن قيل: دلت حاجته إلى العلم من الخضر أنه ليس موسى بن عمران بل موسى بن ميشا لأن موسى بن عمران نبي، والنبى يجب أن يكون أعلم أهل زمانه.
وأجاب: أنه لا نقص بالنبي في أخذ العلم من نبي مثله.
وقال الكرماني: وهذا الجواب لا يتم على القول بولاية الخضر، ثم أجاب: بأن موسى لم يسأل الخضر عن شيء من أمر الدين، والأنبياء لا يجهلون ما يتعلق بدينهم الذي يعبدون الله به، وإنما سأله عن شيء ليس عنده علمه مما ذكر في السورة.
فلما سأل موسى الخضر أن يتبعه حتى يتعلم منه «قال» له الخضر: «إنك لن