ولهما حكمة كانت خفية عن الخلق، فلما أعلمهم الخضر بها بعد أن أعلمه الله بها علموها، ولهذا قال: ?وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي?.
وفيه: دليل على أنه يجب الرجوع إلى قول أهل العلم عند التنازع.
وفيه: دليل على أنه يجب على العالم الرغبة في الزيادة من العلم والحرص عليه، ولا يقنع بما عنده، ولهذا لم يكتف موسى بعلمه بل طلب الزيادة.
وفيه: دليل على أنه لا بأس على العالم والفاضل أن يخدمه المفضول، ويقضي له حاجته، ولا يكون هذا من أخذ العوض على تعليم العلم والآداب، بل من مروءات الأصحاب، وحسن العشرة، ودليل هذا: حمل فتى موسى وهو يوشع الغداء.
وفيه: دليل على أنه ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم ولا أدري.
جاء في الخبر: «العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة قائمة، ولا أدري» (١) .
وقال الشعبي: «لا أدري» نصف العلم.
وقال الإمام مالك: جنة العالم «لا أدري» فإذا أخطأها فقد أصيبت مقالته.
وقال أبو حفص النيسابوري: العالم هو الذي يخاف عند السؤال أن يقال له يوم القيامة: من أين أجبت؟.
وكان ابن عمر يقول: يريدون أن يجعلونا جسراً يعبرون علينا.
وكان ابن عمر أيضاً يسأل عن عشر مسائل فيجيب عن واحدة ويسكت عن تسعة.
ونقل عن الإمام مالك أنه سئل عن ثماني وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: «لا أدري» .
وكذلك قال إمامنا الشافعي «لا أدري» في مسائل.
وكذلك أبو حنيفة سئل عن تسع مسائل فقال فيها: «لا أدري» .
وكذلك كان أحمد بن حنبل يكثر من قول: «لا أدري» .
حتى نقل عن جبريل أنه قال: «لا أدري» .
وكذلك نبينا - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا أدري» .
(١) أخرجه الطبراني في الأوسط (١/٢٩٩، رقم ١٠٠١) عن ابن عمر، قال الهيثمي (١/١٧٢) : رواه الطبراني في الأوسط، وفيه منسوب رواه عن مالك بن أنس، وروى عنه إبراهيم بن المنذر، ولم أر من ترجمه.