للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: والصحيح أن الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت بحسب درجاتهم في السعادة والشقاوة.

فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهم الأنبياء، وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء والمعراج.

ومنها أرواح في حواصل طير تسرح في الجنة حيث شاءت، وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم فإن منهم من يحبس عن دخول الجنة لدين أو غيره، ومنهم من يكون على باب الجنة، ومنهم من يكون محبوساً في قبره، ومنهم من يكون محبوساً في الأرض لم تصل روحه إلى الملأ الأعلى (١) .

ومنها أرواح تكون في تنور الزناة، وأرواح في نهر الدم.

قال: فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد.

قال: وكلها على اختلاف حالها لها اتصال بأجسادها في قبورها ليحصل له من النعيم أو العذاب ماكتب له، فإن الروح إذا كانت في الرفيق الأعلى فهي متصلة بالبدن أي: نورها مشرق على البدن كاتصال شعاع الشمس بالأرض، بحيث إذا سلم المسلم على الميت رد عليه السلام وعرفه بذلك الاتصال، وهي في مكانها وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائياً بُلِّغْتُه» (٢) .

وأفاد ابن حجر أن الأرواح وإن كانت في عليين فهي مأذون لها في التصرف، ثم تأوي إلى محلها من عليين أو سجين.

قال: وإذا نقل الميت من قبر إلى قبر فالاتصال المذكور مستمر، وكذلك إذا تفرقت أجزاؤه.

وسنذكر في كتاب الجنائز ما يحبس الروح عن مقامها الكريم، وما يمنع الميت من الكلام مع الموتى.

الفائدة الرابعة عشر: أفاد النسقي في كتابه «بحر الكلام في أصول الدين» : أن الأرواح على أربعة أوجه أرواح الأنبياء وتخرج من جسدها وتصير صورتها مثل المسك الكافور، وتكون في الجنة تأكل وتشرب وتتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة تحت العرش، وأرواح الشهداء تخرج من جسدها وتكون في أجواف طير خضر في الجنة،


(١) انظر: الروح لابن القيم (١/١١٥) .
(٢) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٢/٢١٨، رقم ١٥٨٣) ، والخطيب (٣/٢٩٢) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>