للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأكل وتتنعم يدل عليه قوله تعالى: ?بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ? [آل عمران: ١٦٩، ١٧٠] وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة تحت العرش.

وهنا سؤال: وهو أن يقال كيف يجعل أرواح الشهداء في حواصل طير خضر إكراماً لها مع أن ذلك حصر لها وتضيق عليها لا إكرام؟

وأجيب عنه بجوابين:

الأول: أن في قوله: «في حواصل طير خضر» بمعنى: على والمعنى: أن أرواحهم في جوف طير خضر كقوله تعالى: ?وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ? [طه: ٧١] وجائز أن يسمى الطير جوفاً إذ هو محيط به ومشتمل عليه.

الثاني: أنه لا مانع من أن يكون في الأجواف حقيقة، ويوسعها الله لها حتى تكون أوسع من الفضاء.

وأرواح المطيعين من المؤمنين برياض الجنة لا تأكل ولا تتمتع، ولكن تنظر في الجنة، وأرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض في الهواء، وأما أرواح الكفار فهي في أجواف طير سود في سجين، وسجين تحت الأرض السابعة، وهي متصلة بأجسادها فتعذب أرواحها ويتألم ذلك الجسد، كالشمس في السماء ونورها في الأرض.

الفائدة الخامسة عشر: قال بعضهم: إن ملك الموت إذا نزل على العبد المؤمن لقبض روحه فلو جذبها بألف سلسلة ما خرجت، فيقول الله تعالى: دعها فإنها لا تخرج إلا بسماع يطيب لها، فيناديها: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك، فتخرج بحلاوة الخطاب إلى يوم القيامة، يقول لها: ارجعي أي: إلى جسدك فتفرح بالجسد ويفرح بها فتقول: أنا ما قرَّ لي قرار، ويقول الجسد: أنا اكلني الدود والتراب، فيناديهما مناد: وليس بعد هذا الاجتماع فراق.

قيل: إنه يأتي إلى جسد الميت قبل إعادة الروح إليه ملك فيقول: أبشر كلما أندرست عظامك محيت آثامك، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الموت كفارة لكل مسلم» (١) .


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٣/١٢١) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٧/١٧١، رقم ٩٨٨٦) ، والخطيب (١/٣٤٧) ، والقضاعي (١/١٣٣، رقم ١٧١) ، والديلمي (٤/٢٣٩، رقم ٦٧١٧) عن أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>