أحدهما: روح اليقظة التي أجري الله العادة أنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان مستيقظاً، فإذا خرجت من الجسد نام الإنسان ورأت تلك الروح المنامات.
والأخرى: روح الحياة التي أجري الله العادة أنها إذا كانت في الجسد كان حياً فإذا فارقته مات، فإذا رجعت إليه حي، قال: وهاتان الروحان في باطن الإنسان لا يعرف مقرهما، إلا من أطلعه الله على ذلك، فهما كجنينين في بطن امرأة واحدة.
وقال ابن القيم: وقالت طائفة: للمؤمن ثلاثة أرواح، وللمنافق والكفار روح واحدة.
وقال بعضهم: للأنبياء والصديقين خمسة أرواح.
ورد هذا ابن القيم وقال: الروح التي تتوفى وتقبض فهي روح واحدة وهي النفس، وأما ما يؤيد الله به أولياءه من الروح فهي روح أخرى غير هذه الروح كما قال تعالى: ?أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ? [المجادلة: ٢٢] .
وكذلك الروح التي أيدها الله روح المسيح ابن مريم كما قال تعالى: ?إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القُدُسِ? [المائدة: ١١٠] .
وكذا الروح التي يلقيها على من يشاء من عباده غير الروح التي في البدن.
قال: وأما القوى التي في البدن فإنها تسمى أيضاً أرواحاً فيقال: الروح الباصر، والروح السامع، والروح الشاهد، فهذه الأرواح قوى موزعة في البدن، وتطلق الروح على أخص من هذا كله، وهي قوة المعرفة بالله والإنابة إليه ومحبته، وانبعاث الهمة إلى طلبه وإرادته، ونسبة هذه إلى الروح كنسبة الروح إلى البدن، فإذا فقدتها الروح كانت بمنزلة البدن إذا فقد روحه، وهي الروح التي يؤيدها أهل ولايته وطاعته، ولهذا يقول الناس: فلان فيه روح، وفلان ما فيه روح قصبة فارغة فالعمل روح، وللأجساد روح، وللإخلاص روح، وللمحبة روح، وللتوكل روح، والناس متفاوتون في هذه الأرواح أعظم تفاوت، فمنهم من تغلب هذه الأرواح عليه فيصير روحانياً، ومنهم من يفقدها، أو أكثرها فيصير أرضياً والله المستعان (١) .