الفائدة الثامنة عشر: هل النفس واحدة أم أكثر؟
وقع كثير من الناس أن لابن آدم ثلاثة أنفس: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة، وأن من الناس من يغلب عليه واحدة من الثلاث، واستدل القائل بالثلاث بذكر الله لها في كتابة العزيز بقوله تعالى: ?يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ? [الفجر: ٢٨] .
وقوله: ?لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ? [القيامة ١، ٢] .
وقوله: ?إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ? [يوسف: ٥٣] .
قال ابن القيم: والتحقيق أنها نفس واحدة، ولكن لها صفات فتسمى باعتبار كل صفة باسم.
فتسمى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها بعبوديته ومحبته، والإنابة إليه والتوكل عليه، والرضا به والسكون إليه (١) .
ولله در القائل فيها:
إلا يا نفس ويحك ساعديني ... بسعي منك في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي ... بطيب العيش في تلك العوالي
وتسمى لوامة إما لأنها كثيرة التقلب والتلون، تتقلب وتتلون في الساعة الواحدة فضلاً عن اليوم والشهر والعام والعمر ألوانا متلونة أي: تحب وتكره، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتسخط وتطيع، وتعصي وتتقي، وغير ذلك في كل وقت، وإما لأنها توقع الإنسان في الذنب ثم تلومه عليه، وهذا اللوم لا يكون إلا من السعيد، بخلاف الشقي فإنه لا يلوم نفسه عن ذنب، بل يلومها وتلومه في فواته.
وقالت طائفة: إن هذا اللوم يقع من النوعين السعيد والشقي، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها، وإما لأن كان واحد يلوم نفسه يوم القيامة إن كان مسيئاً يلوم نفسه على إساءته، وإن كان محسناً يلوم على تقصيره.
قال ابن القيم: وهذه الأقوال والأوجه كلها حق، فإن النفس موصوفة بهذا كله، باعتباره سميت لوامة ملومة، ولوامة غير ملومة، أما اللوامة الملومة: فهي النفس الجاهلة الظالمة التي تلوم صاحبها في تقصيره في معصية الله، أما الغير ملومة: فهي التي تلومه في تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة.
(١) انظر: الروح لابن القيم (١/٢٢٠) .