للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشرف الأنفس من لامت نفسها في طاعة الله، واحتملت لوم اللائمين في مرضاته، فلا تأخذها فيه لومة لائم، فهذه تخلصت من لوم الله لها (١) .

والنفس اللوامه بهذا الاعتبار محمودة ولهذا أقسم الله بها في قوله ?وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ? [القيامة: ٢] .

وتسمى أمارة باعتبار أنها تأمر بكل شيء، فلا يلوح لها طمع إلا تعرضت له، ولا يبدو لها شهوة إلا اتبعتها، فهي مذمومة، فما تخلص أحد من شرها إلا من رحمه الله ووفقه وثبته.

قال تعالى في حقها حاكيا عن امرأة العزيز: ?وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ? [يوسف: ٥٣] فما يسلم من شرها إلا من رحمه الله ووفقه وثبته وأعانه.

كما قال تعالى: ?وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً? [النور: ٢١] .

فنسأل الله العظيم أن يعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أصحابه خطبة الحاجة وهي: «الحمد لله نستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له» (٢) .

قال الإمام حجة الإسلام الغزالي: أما النفس فحسبك ما تشاهد من حالاتها، ورداءة إرادتها، وسوء اختيارها، ففي حال الشهوة بهيمة، وفي حال الغضب سبع، وفي حال المصيبة تراها طفلاً، وفي حال النعمة تراها فرعوناً، وفي حال الجوع تراها مجنوناً، وفي حال الشبع تراها مختلاً، إن أشبعتها بطرت ومرحت، وإن جوعتها صاحت


(١) انظر: الروح لابن القيم (١/٢٢٦) .
(٢) أخرجه أبو داود (٢/٢٣٨، رقم ٢١١٨) ، والترمذي (٣/٤١٣، رقم ١١٠٥) وقال: حسن. والنسائي (٣/١٠٤، رقم ١٤٠٤) ، وابن ماجه (١/٦٠٩، رقم ١٨٩٢) ، وأحمد (١/٣٩٢، رقم ٣٧٢٠) ، والحاكم (٢/١٩٩، رقم ٢٧٤٤) ، والبيهقي (٣/٢١٤ رقم ٥٥٩٤) ، والطيالسي (١/٤٥، رقم ٣٣٨) ، وعبد الرزاق (٦/١٨٧، رقم ١٠٤٤٩) ، وابن أبي شيبة (٤/٣٤، رقم ١٧٥٠٨) ، والدارمي (٢/١٩١، رقم ٢٢٠٢) ، وابن الجارود (١/١٧٠ رقم ٦٧٩) ، وأبو يعلى (٩/١٦٨، رقم ٥٢٥٧) ، والطبراني في الكبير (١٠/٩٨، رقم ١٠٠٨٠) ، وفي الأوسط (٣/٤٢، رقم ٢٤١٤) عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>