ولقد صدق بعض الصالحين حيث قال: إن هذه النفس الخبيثة إذا همت بمعصيته أو انبعثت بشهوة، لو تشفعت إليها بالله سبحانه وتعالى، ثم برسوله - صلى الله عليه وسلم - وبجميع أنبيائه عليهم السلام، وبكتابة، وبجميع السلف الصالح من عباده، ويعرض عليها الموت والقبر والقيامة والجنة والنار، لا تعطي القياد ولا تترك الشهوة، نعم إذا استقبلتها بمنع رغيف تسكن وتترك شهوتها، وتعلم حسنتها وجهلها، فإياك أيها الرجل تغفل عنها، فإنها كما قال خالقها العالم بها جل جلاله الأمارة بالسوء، فكفى بقوله لمن غفل، ولقد صدق القائل:
توق نفسك لا تأمن غوائلها ... فالنفس أخبث من سبعين شيطاناً
فتنبه رحمك الله لهذه الخداعة الأمارة بالسوء، ووطِّن على مخالفتها بكل حال تصب وتسلم إن شاء الله تعالى، فإنه لا يقدر أحد على قهرها إلا بمخالفتها.
لطيفة: عن إبراهيم الخواص (١) - رضي الله عنه - قال: لقيت غلاماً في التيه كأنه سبيكة فضة قلت: إلى أين يا غلام؟ قال: إلى مكة، قلت: بلا زاد ولا راحلة؟ فقال: يا ضعيف اليقين، الذي يقدر على حفظ السماوات والأرض يقدر أن يوصلني إلى مكة بلا زاد ولا راحلة، فلما دخلت مكة فإذا هو بالطواف يقول: يا نفس سبحي أبداً، ولا تحبي أحداً، إلا الخليل الصمدا، يا نفس موتى كمداً، فلما رآني قال: يا شيخ أنت بعد على ذلك الضعف من اليقين.
ولقد أحسن من قال:
يا نفس كم بخفي اللطف عاملني ... وقد رآني على ما ليس يرضاه
يا نفس كم ذلة ذلت بها قدمي ... وما أقال عثاري ثم إلا هو
يا نفس توبي إلى مولاك واجتهدي ... عسى تنالي رضاه عند لقياه
إخواني: إذا كان صفاء المواعظ لا يؤثر في قلوبكم الكدرة، ومعاول التخويف لا تقطع في نفوسكم المتجبرة، فهذا كلام ربكم يتلى عليكم في آياية المطهرة ?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ? [الزلزلة ٧، ٨] ويا غافلاً عما نهاه وأمره، يا مضيعاً في البطالة عمره، إلى متى تلهو وذنوبك مكتوبة
(١) إبراهيم الخواص هو: إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل، أبو إسحاق الخواص، صوفي، وكان أوحد المشايخ في وقته، وهو من أقران الجنيد، مات في جامع الري سنة: ٢٩١ هـ، قال الخطيب البغدادي: له كتب مصنفة والخواص: بائع الخوص.