للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما رش المسجد بالماء المستعمل فقد اختاره النووي في شرح المهذب أنه جائر كما يجوز الوضوء فيه، وتبعه على اختياره الأسنوي، والشيخ إسماعيل بن المقرئ في «روضه» فإنه قال فيه: ويجوز نضحه بمستعمل.

لكن قال البغوي: إنه لا يجوز لأن النفس إنما تعافه، وتبعه على ذلك الخوارزمي وصاحب الأنوار في كتاب الاعتكاف، وضعف النووي قوله، ورد تعليله بأن النفس إنما تعاف شربه ونحوه لا نضحه في المسجد.

قال الزركشي والبغوي وغيره: إن يفرقوا بين جواز الوضوء فيه وبين نضحه بالماء بأن المتوضئ إنما يفعل ذلك لحاجته إليه، بخلاف النضح فإنه يقع قصداً، والشيء يغتفر ضمناً ما لا يغتفر قصداً، وبأن ماء الوضوء بعضه غير مستعمل بخلاف ماء النضح، وظاهر قول القاضي زكريا في شرح الروض يقتضي ترجيح قول البغوي فلينظر في كلامه أي: في شروط الصلاة في بحث المسجد.

ومنها: أن فيه دلالة على كمال فضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - أطلعه الله تعالى على أمور من المغيبات مستقبلة من أمور الآخرة، وما يقع فيها لم يطلع عليه نبياً غيره، فأخبر بها في الدنيا أمته، وستقع كما أخبر فإنه صادق مصدوق، لاينطق عن الهوى، فمن ما أخبر به من أمور الآخرة ما ذكره في هذا الحديث أن أمته تأتي يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، وكأنك بهذا وقد وقع، وكأنك بالدنيا ولم تكن، وبالآخرة ولم تزل.

وأما ما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - عن أمور مغيبة مستقبلة من أمور الدنيا فكثير وهو معجزة من معجزاته الباهرة وآية من آياته الظاهرة.

ونقل عن حذيفة - رضي الله عنه - أنه قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقاماً فما ترك شيئاً يقوم في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فهو مما أعلمه الله به (١) .

قال العلماء: النبي لا يعلم من المغيبات إلا ما أعلمه الله تعالى به، ويدل عليه قوله تعالى: ?عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ?

[الجن: ٢٧] .

قال شيخنا العلامة الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في شرح المسايرة: ذكر


(١) أخرجه مسلم (٤/٢٢١٧، رقم ٢٨٩١) ، وأبو داود (٤/٩٤، رقم ٤٢٤٠) ، وابن حبان (١٥/٥، رقم ٦٦٣٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>