ستأتي الناس في العرصات سكرى ... بلا أثر يكون لهم مزيننا
وتتأتي أمة المختار غدا ... بآثار الوضوء محجلينا
لأيديهم وأرجلهم وميض ... فوجههم تروق الناظرينا
فكونوا يا عباد الله قوماً ... مدى أعماركم متطهرينا
تفوزوا بالطهارة ما حييتم ... وفي غدكم تفوقوا العالمينا
وهل هذا النور الذي في أعضاء الوضوء المعبر عنه بالغرة والتحجيل ثابت لكل واحد من هذه الأمة يوم القيامة، سواء توضأ في الدنيا أم لم يتوضأ، أو يكون لمن يتوضأ في الدنيا؟
قال ابن الملقن في شرحه على هذا الصحيح: ظاهر الأحاديث يقتضي أن ذلك خاص بمن توضأ منهم، فقد ورد في صحيح ابن حبان: يا رسول الله كيف تعرف من يرد من أمتك؟ قال: «غر محجلون بلق من آثار الوضوء» (١) .
وأما ما نقل عن بعض المالكية أنه نقل عن العلماء: أن الغرة والتحجيل حكم ثابت لهذه الأمة من توضأ منهم ومن لم يتوضأ، كما قالوا: لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، وأن أهل القبلة كل من آمن من أمته سواء صلى أم لم يصلي، فهو كما قاله ابن الملقن نقل غريب.
ومنها: أن فيه دلالة على استحباب المحافظة على الوضوء وسننه المشروعة.
ومنها: أن فيه دلالة على ما أعد الله من الفضل والكرامة لأهل الوضوء يوم القيامة.
ومنها: أن فيه دلالة على جواز الوضوء على ظهر المسجد، وإذا جاز على ظهره جاز فيه، فإن حرمة أعلاه وظاهره كحرمة داخلة، وعلى هذا أكثر العلماء.
وكره جماعة الوضوء فيه تنزيها له كما ينزه عن البصاق والنخامة، وممن كره الوضوء ابن سيرين، ونقل عن الإمام مالك وعن سحنون.
قال ابن الملقن: وقد صرح جماعة من أصحابنا بجوازه فيه، وإن الأولى أن يكون في إناء.
(١) أخرجه ابن حبان (٣/٣٢٣، رقم ١٠٤٧) . وأخرجه أيضا: ابن ماجه (١/١٠٤، رقم ٢٨٤) قال البوصيري (١/٤٢، رقم ٤) : هذا إسناد حسن. وأحمد (١/٤٥٣، رقم ٤٣٢٩) ، وابن أبي شيبة (١/١٥، رقم ٤٠) ، والشاشي (٢/١٠٧، رقم ٦٢٩) ، وأبو يعلى (٨/٤٦٢، رقم ٥٠٤٨) ، والطبراني في الأوسط (٣/٣٦٦، رقم ٣٤١٩) عن ابن مسعود.