«وضوءاً خفيفاً -يخففه عمر ويقلله- وقام يصلي فتوضأت نحو ما توضأ» وإنما قال: «نحو ما توضأ» ولم يقل: «مثل مما توضأ» لأن حقيقة مماثلثه - صلى الله عليه وسلم - لا يقدر عليه غيره.
«ثم جئت فقمت عن يساره، وربما قال سفيان: عن شماله. فحولني فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة ولم يتوضأ، قلنا لعمرو: إن ناساً يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه؟ قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ ?إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ? [الصافات: ١٠٢] » .
قوله:«وضوءاً خفيفاً -يخففه عمرو ويقلله-» هذا إدراج بين ألفاظ ابن عباس من سفيان بن عيينة، والمعنى: أن عمرو بن دينار وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي توضأ هذه الليلة حين نام بالتخفيف والتقليل.
سؤال: فإن قيل: ما الفرق بين التخفيف والتقليل؟
جوابه: أن التخفيف من باب الكيف ويقابله الثقيل من باب الكم، ويقابله التكثير وإيضاًحه: أراد بالتخفيف أن كيفية وضوءه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان مخففاً أي: اقتصر فيه على تمام غسل الأعضاء دون إمرار اليد عليها، ولو أمر يده عليها لم يكن مخففاً بل مكثراً.
وأراد بالتقليل أن كمية غسل كل عضو مرة مع أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً للفضل، والمرة الواحدة بالنسبة الى الثلاث تقليل.
واعلم أن هذا حديث جليل مشتمل على فوائد كثيرة:
منها: أن فيه دلالة على أن نومه - صلى الله عليه وسلم - مضطجعاً لا ينقض وضوءه، وكذلك سائر الأنبياء، لأن يقظة قلوبهم تمنعهم من الحدث، لأنهم كانوا تنام أعينهم، وقلوبهم لا تنام، وإنما كانت قلوبهم لا تنام لأن الوحي قد ينزل عليهم في المنام فأيقظ الله قلوبهم لذلك ليفهموا الوحي.
واستشكل العلماء ذلك بنومه - صلى الله عليه وسلم - في الوادي عن صلاة الصبح إلى أن طلعت الشمس، فلو كان قلبه مستيقظاً لما نام حتى خرج الوقت.
وأجاب عنه العلماء: بأن الفجر والشمس إنما يدركان بالعين لا بالقلب، فلهذا لم يحس بطلوعهما لأن عينه التي يدرك بها كانت نائمة.