قال الشيخ موفق الدين ابن قدامه رحمة الله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ما كان فيهم موسوس، ولو كانت الوسوسة فضيلة لادخرها الله لرسوله وأصحابه، وهم خير الخلق وأفضلهم، ولو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الموسوسين لمقتهم، ولو أدركهم عمر لضربهم وأدبهم، ولو أدركهم أحد من الصحابة لبدعهم.
قيل: إن بعض الصوفية جلس ليلة يتوضأ لصلاة العتمة، فصار يصب الماء عليه حتى مضى شطر الليل فلم تطب نفسه، ولم يذهب الوسواس من قلبه، فبكى وقال: يارب العفو، فسمع هاتفاً يقول له: اترك ما أنت فيه، واستعلم العلم.
ومن آدابه أن لا يأكل ولا يشرب في الخلاء، كما قاله القاضي زكريا عن المحب الطبري.
ومنها: أنه لا يستاك، فقد نقل عن ابن عباس: أنه يورث النسيان، ونقل عنه أيضاً أنه قال:«من فعل ذلك فذهب بصره فلا يلومن إلا نفسه» .
ومنها: أن لا يمسك البول بعد ما أخذه فإن ذلك يضر بالمثانة قاله الغزالي.
ويقال: إن حبس البول يفسد من الجسد كما يفسد النهر ما حوله إذا سد مجراه.
ومنها كما قال الغزالي في الإحياء: أن يقول عند الفراغ من الاستنجاء: اللهم طهر قلبي من النفاق، وحصن فرجي من الفواحش (١) .
خاتمة: قال الترمذي الحكيم: إذا أتيت الخلاء فاعلم أنك تقصد الشيطان فاحذر من كيده، وأقل من إتيانه بقلة الطعام، وكن رجلاً مستحيياً من خالقك، مستحقراً لنفسك.
فقد قال الفضيل بن عياض: إني لأمقت نفسي من كثرة ترددي إلى الخلاء.
وغط نفسك حياءً من ربك، وامش متواضعاً متفكراً في نعم الله عليك، حين أطعمك وأسقاك، وأخرجه عنك حين أذاك، وقف على باب الخلاء وقل: اللهم اجعل دخولي عبرة، وأمط الأذى عني رحمة ترحمني بها، فعن أنس:«إن الشيطان يتباعد إذ ذاك» .
قال: ولا تبصق في بولك ولا على ما يخرج منك من العذرة، فقد روي أنه من فعل ذلك يبتلى بالوسوسة وصفرة الأسنان.