وأما إذا ألقاها فيروى: أنها كانت تنقلب حية كأعظم ما يكون من الثعابين سوداء مدلهمة تدب على أربع قوائم، فتصير شعبتاها فماً، فيه اثنتى عشر ناباً وضرساً، قيل: كان بين لحييها أربعون ذراعاً، لها صريف وصرير، يخرج منها لهب النار، وعيناها تلمعان كما يلمع البرق، يهب من فمها ريح السموم، لا تصيب شيئاً إلا أحرقته، تمر بالصخرة فتبتلعها، وتمر بالشجرة فتحطمها بأنيابها وتبتلعها، وتتلمظ وتتبرم كأنها تطلب شيئاً تأكله، وكانت في عظم الثعبان، وخفة الجان، ولين الحية، لذلك ذكرت في القرآن في مواضع قال تعالى: ?فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى? [طه: ٢٠] .
وقال تعالى: ?فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ? [الشعراء: ٣٢] .
وقال تعالى: ?كَأَنَّهَا جَانٌّ? [النمل: ١٠] .
قال الإمام فخر الدين الرازى في تفسيره الكبير في تفسير قوله تعالى: ?فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ? [الشعراء: ٣٢] ما نصه: والثعبان الحية الضخمة الذكر في قول جميع أهل اللغة، ثم قال في وصف ذلك الثعبان يكون مبيناً وجوه:
الأول: تمييز ذلك عما جاء السحرة من التمويه الذي يلتبس على من لا يعرف سببه، وبذلك تتميز معجزات الأنبياء عن الحيل والتمويهات.
الثاني: المراد أنهم شاهدوا كونه حية ولم يشبه الأمر عليهم.
الثالث: المراد أن ذلك الثعبان أبان قول موسى عن قول المدعي الكاذب.
ومعنى الآية: أن فرعون لما طلب من موسى آية أي معجزة تدل على نبوته كما قال تعالى حكاية عنه: ?قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ? [الأعراف: ١٠٦] .
فالقى موسى عصاه في تلك الساعة فانقلبت ثعباناً عظيماً كما قال تعالى: ?فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ? [الشعراء: ٣٢] .
أي: حية عظيمة فاتحة فاها ما بين لحيها ثمانون ذراعاً ثم قامت على ذنبها، وشدت على فرعون لتبتلعه، فوثب فرعون عن سريره هارباً.
وقيل: إنها وضعت لحيها الأسفل على الأرض، والأعلى على سطح القصر الذي فيه فرعون فوثب فرعون هارباً وأحدث أي: أخذه الإسهال في ذلك اليوم أربعمائه مرة، ودخل فرعون البيت وصاح يا موسى خذها فأومن بك، وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذها موسى فعادت عصا.