للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهر لهم موسى معجزة أخرى وهي أنه أخرج يده من جيب جبته الصوف فغدا لها نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض، ويغلب نورها شعاع الشمس كما قال تعالى حكاية عنه: ?وَنَزَعَ يَدَهُ? [الأعراف: ١٠٨] أي: أخرجها، ?فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ? [الأعراف: ١٠٨] .

أي: فإذا هي بياضها بياضاً عجيباً خارجاً عن الاعادة تجتمع الناس للنظر إليه كما تجتمع للنظر في العجائب.

قال الرازى: ولما كان البياض كالعيب بين تعالى في غير هذه الآية أنه كان من غير سوء.

سؤال: فإن قيل: إن المعجزة الواحدة كانت كافية فما الحكمة في الجمع بينهما؟

جوابه: أن كثرة الدلائل توجب القوة في اليقين وزوال الشك.

قال الرازى: فلما أظهر موسى هذين النوعين من المعجزات قال قوم فرعون له: إن هذا يعنى موسى لساحر عليم بالسحر.

قال الرازى: وكان السحر غالباً في ذلك الزمان، وكانت مراتب السحرة متفاضلة متفاوتة، ومنهم من وصل فيه إلى غاية الكمال في ذلك العلم، فزعموا وظنوا أن موسى من السحرة، وأنه وصل إلى غاية الكمال من علم السحر، وأنه إنما أتى بذلك لكونه طالباً للملك والرياسة، وأنه يريد أن يخرجهم من أرضهم كما حكى الله ذلك عنهم بقوله: ?إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ? [الأعراف: ١٠٩، ١١٠] .

ولم يظهر لهم أنه أمر إلهي، ثم قالوا له: اجمع السحرة من مدائن ملكك ليعارضوه في سحرة ويعطلوا سحره.

فائدة: قال الإمام الرازى: جعل الله تعالى معجزة كل نبي من جنس ما كان غالباً على أهل ذلك الزمان.

فلما كان السحر غالباً على أهل زمان موسى كانت معجزته شبيهة بالسحر، وإن كانت مخالفة للسحر في الحقيقة.

ولما كان الطب غالباً على أهل زمان عيسى كانت معجزته من جنس الطب.

ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد - صلى الله عليه وسلم - لا جرم كانت معجزته من جنس الفصاحة.

ثم أرسل فرعون وجمع السحرة من مدائن الصعيد، وكانت سبع مدائن فاجتمعوا

<<  <  ج: ص:  >  >>