الناس واسترهبوهم أي: قلبوها عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات.
وقيل: إنهم لطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق في دواخل تلك العصا، أثر تسخين الشمس فيها تحركت وصارت حيات كأمثال الجبال، فملأت الوادي، وركب بعضها بعضاً.
قيل: ملأت ميلاً في ميل من الأرض.
وأفاد الإمام الرازى: أن تلك الحبال والعصا كانت حمل ثلاثمائه بعير.
ووصف الله سحرهم بأنه عظيم كما قال الله تعالى: ?وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ? [الأعراف: ١١٦] .
قال الرازى: روي أن السحرة قالوا: لقد علمنا سحر لا يطيق سحرة أهل الأرض، إلا أن يكون من أهل السماء، فإنه لاطاقة لنا به، وحصل للعوام من تلك الحيات خوف عظيم.
ثم أوحى الله تعالى إلى موسى أن ألق عصاك فألقاها فصارت حية عظيمة، حتى سدت الأفق ثم فتحت فاها ثمانين ذراعاً، وصارت تبتلع حبالهم وعصيهم واحداً بعد واحد حتى ابتلعت الكل، وقصدت القوم الذين حضروا، فوقع الزحام عليهم فهلك منهم في الزحام خمسة وعشرون ألف، ثم أخذها موسى فصارت عصا.
فقالت السحرة: لو كان ما يصنع موسى سحراً لبقيت حبالنا وعصينا، فلما نفدت علموا أن ذلك من أمر الله كما قال تعالى: ?فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ? [الأعراف: ١١٧] أي: تبتلع ما يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزدرونه.
?فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون? [الأعراف: ١١٨] .
سؤال: فإن قيل: تلك الحبال والعصي أين ذهبت؟
جوابه: يحتمل أن الله أعدمها، ويحتمل أن الله تعالى فرق بينها بين تلك الأجزاء وجعلها ذات غير محسوسة، وأذابها في الهواء، وعلى كلا الاحتمالين فلا يقدر على هذه الحالة أحد إلا الله سبحانه وتعالى.
وقال بعض العلماء: كان كبير السحرة رجلاً أعمى فقال لهم: أرى موسى يقدم علينا مع كثرتنا، وما ذاك بقوته وأخاف أن يكون الأمر سماوياً، فاحترموه وعظموه، فإن غلبناه فلا يضر بنا ذلك، وإن غلبنا فنكون قد قدمنا للصلح مقدمة فيكون شفيعاً لنا عند ربه، قالوا: وكيف نحترمه قال: نستأذنه ونقول له: إما أن نلقي وإما أن تكون أول من ألقى، فلما قالوا له ذلك وأحسنوا معه الأدب، كان سببا لسعادتهم، فضحك