موسى فقال له هارون: أتضحك مع كثرتهم، فقال: شممت منهم رائحة الإيمان، فلما قالوا: يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى سمع قائلاً يقول: ألقوا يا أولياء الله فعند ذلك أوجس في نفسه خيفته موسى، لأن أولياء الله لا يغلبهم أحد فلما غلبهم موسى سجدوا لربهم، وقالوا آمنا برب العالمين، رب موسى وهرون فرأوا في سجودهم منازلهم في الجنة، ثم إن السحرة لما تحققوا أن ما فعلته عصا موسى خارج عن السحر، وأنه أمر إلهي، فإنهم وصلوا إلى منتهى السحر، ورأوا معجزة موسى ليست من السحر بل من عند إله قادر قاهر، خروا سجداً لله تعالى كما قال تعالى: ?وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ? [الأعراف: ١٢٠، ١٢١، ١٢٢] .
قال الرازى: واختلفوا في أنه هل قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبهم أم لا؟
فنقل عن ابن عباس أنه فعل ذلك قال: وهو الأظهر.
ونقل عن آخرين: أنه لم يقع من فرعون ذلك بل استجاب الله لهم الدعاء في قولهم: ?وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ? [الأعراف: ١٢٦] لأنهم سألوه تعالى أن تكون وفاتهم من جهته لا لهذا القتل والقطع.
وقال الكلبى: إن فرعون قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبهم، ومعنى القطع من خلاف أنه قطع من كل شق عضواً خلاف ما قطعة من الآخر، كاليد اليمنى والرجل اليسرى، أو اليد اليسرى والرجل اليمنى، وهو أول من قطع من خلاف وصلب.
فهؤلاء السحرة خلقهم الله تعالى لجنته لا لخدمته، فإنهم عاشوا في الدنيا كفاراً ثم ختم لهم بالإيمان.
كانوا أول النهار يحلفون بعزة فرعون أنهم غالبون، ثم بعد ساعة يحلفون بالله تعالى