للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكرها بما ذكره الله مع زوجها من الذم، أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد ومعه أبو بكر وفي يدها فهر من الحجارة فلما وقفت عليهما لم تر إلا أبا بكر، وأخذ الله ببصرها عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا أبا بكر أين صاحبك؟ فقد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربته بهذا الفهر فاه (١) .

فمن عصمه من الأعرابى والسيف في يده، ومن ضرر جمر النار، ومن الفهر الذي في يد حمالة الحطب إلا الله، فلهذا كان لا يلتفت في مشيه - صلى الله عليه وسلم -.

ومما ورد في عصمته ما ذكره ابن إسحاق وغيره: أن أبا جهل أتاه بصخرة وهو ساجد وقريش ينظرون لطرحها، فلزقت بيده ويبست يداه في عنقه، وأقبل يرجع بهذا الفهر إلى خلفه، ثم سأله أن يدعو له ففعل فانطلقت يداه.

وكان قد تواعد مع قريش بذلك وحلف لئن رآه ليدمغنه، فسألوه عن شأنه فقالوا له لأي شيء رجعت القهقرى بعد أن حلفت أنك إن رأيته لتدمعنه، فذكر أنه عرض له دونه فحل ما رأيت مثله قط همَّ بي أن يأكلني.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذلك جبريل لو دنا لأخذه» (٢) .

وقريب من هذا ما ذكره أهل التفسير عن أبي هريرة: أن أبا جهل وعد قريشاً لئن رأى محمد يصلي ليطأن رقبته فلما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلموه فأقبل، فلما قرب منه ولي هارباً ناكصاً على عقبيه متقياً بيده، فسئل فقال: لما دنوت منه أشرفت على خندق مملوءٍ من نار كدت أهوي فيه، وأبصرت هولاً عظيماً وخفق أجنحة قد ملأت الأرض، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «تلك الملائكة لو دنا لاختطفته عضواً عضواً» (٣) .

ثم أنزل الله تعالى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بسبب ذلك: ?كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى? إلى آخر السورة [العلق ٦ - ١٩] .


(١) أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/٣٩٣، رقم ٣٣٧٦) والحميدي (١/١٥٣، رقم ٣٢٣) وأبو يعلى (١/٥٣، رقم ٥٣) عن أسماء بنت أبي بكر.
(٢) أخرجه ابن اسحاق في السيرة (٤/١٨٠) ، وابن هشام (٢/١٣٦) ، والبيهقي وأبو نعيم على ما عزاه السيوطي في الخصائص (١/٢١١) ، والقصة أصلها في صحيح البخاري (٤/١٨٩٦، رقم ٤٦٧٥) ، وسنن الترمذي (٥/٤٤٣، رقم ٣٣٤٨) ، ومسند أحمد (١/٣٦٨، رقم ٣٤٨٣) ومسند أبي يعلى (٤/٤٧١، رقم ٢٦٠٤) عن ابن عباس.
(٣) أخرجه مسلم (٤/٢١٥٤، رقم ٢٧٩٧) ، وابن حبان (١٤/٥٣٢، رقم ٦٥٧١) ، والنسائي في الكبرى (٦/٥١٨، رقم ١١٦٨٣) ، وأبو يعلى (١١/٧٠، رقم ٦٢٠٧) عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>