رأى علي ذلك جمع طلحة والزبير وسعيداً وعماراً ونفراً من الصحابة، ثم دخلوا على عثمان ومعهم الكتاب والغلام والبعير، فقال له علي - رضي الله عنه - هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، والبعير بعيرك؟ قال: نعم، قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت هذا الكتاب، ولا أمرت به ولا علمت به، ولا وجهت به هذا الغلام إلى مصر، قال: وأنتم تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل، وينقش الخاتم على نقش خاتمه، وكان - رضي الله عنه - صادقاً فيما قال، فإن مروان زور عليه هذا الكتاب، وكتبه على لسانه وختمه بختمه من غير علمه، وأمره وأرسله مع عبده وعرف علي وغيره ممن رأى الكتاب أن الخط خط مروان، ولكن ظنوا أنه كتبه بأمره وإرادته، فلما حلف تحققوا من صدقه وقالوا له: سلمنا مروان وكان معه في الدار فأبى وخشي عليه القتل، فخرج أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غاضبين من عنده فحاصره الأعداء ومنعوه من
الماء، ومن الصلاة في المسجد أنشدت زينب بنت العوام:
وعطشتم عثمان في جوف داره ... شربتم مشرب الهيم شرب الحميم
فأشرف عليهم في تلك الحال وقال: السلام عليكم، فما رد عليه أحد، فقال: أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة من مالي وسبلتها على المسلمين قيل: نعم، قال: فعلام تمنعوني شرب مائها، وأفطر على الماء المالح، ثم قال: أنشدكم الله هل تعلمون أني اشتريت كذا وكذا من أرض فزدته في المسجد، قيل: نعم، قال: فهل علمتم أن أحد منع أن يصلي فيه قبلي.
وفي رواية: أشرف عليهم فقال: أفيكم علي؟ قالوا: لا، فقال: أفيكم سعد؟ فقالوا: لا، فقال: ألا أحد يسقينا ماء؟ فبلغ ذلك علياً، فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما وصلت إلا بعد جهد، ثم بلغ علياً أنهم يريدون قتله، فقال: إنما أردنا منه مروان لا قتله، وقال للحسن والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان، فلا تدعا أحد يصل إليه، وبعث الزبير ابنه وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من الصحابة أبناءهم لأجل أن يمنعوا الناس من الدخول عليه.
وذكر العلامة الحافظ ابن الجوزى: أن الذين خرجوا على عثمان هجموا على المدينة، وكان عثمان يخرج فيصلي بالناس وهم يصلون خلفه شهراً، ثم خرج من آخر جمعة خرج فيها فحصبوه بالحجارة وهو على المنبر حتى وقع عنه، ولم يقدر أن يصلي بهم فصلى بهم يومئذ أبو أمامة بن سهل، ثم حصروه ومنعوه الصلاة في المسجد.
وروي أن الجهجاه الغفاري بعد أن حصبوه ونزل من المنبر، أخذ العصا التي كانت