يكرهونهم لحبه لهم وتوليتهم دون غيرهم، وإنما كان عثمان يولي أقاربه ويحبهم ويوصلهم بالعطاء كثيراً لأن الإنسان جبل على حبه لأقاربه وعلى حب الخير لهم، فمحبة الإنسان لأقاربه صفة جبلية لم يودعها الله تعالى إلا في خيار خلقه، فلما ولى على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح جاء أهل مصر يشتكوه إلى عثمان، فخرج جيش من أهل مصر وقدره سبعمائة رجل إلى المدينة، فنزلوا المسجد وشكوا إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعله ابن أبي سرح معهم، وأنه قتل منهم واحداً، وجاءوا يطلبون أن يقتص عثمان من عامله، فدخل علي بن أبي طالب على عثمان فكلمه بسبب مجيئهم، وأنهم جاءوا يطلبون منك أن تقتله عوضاً عن الرجل المقتول، ثم قال له علي: اعزله عنهم وإن وجب عليه حق فانصفهم من عاملك، فقال لهم: اختاروا رجلاً حتى أوليه مكانه فأشاروا إلى محمد بن أبي بكر، فكتب له عهده وولاه وخرج معه جماعة من المهاجرين والأنصار، لينظروا فيما وقع بين أهل مصر وبين أبي السرح، فلما بعدوا عن المدينة ثلاثة أيام وإذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطاً، حتى كأنه يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد: ما قصتك وما شأنك؟ كأنك هارب أو طالب، فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر، فقال له: رجل من الجماعة هذا عامل مصر معنا، قال: ليس هذا الذي أريد ثم ذهبوا وأخبروا محمد بن أبي بكر بأمره، فبعث في طلبه رجالاً فأخذوه فجاءوا به إليه، فقال له: يا غلام من أنت؟ فصار تارة يقول: أنا غلام أمير المؤمنين، وتارة يقول: أنا غلام مروان، فقال له محمد: إلى من أرسلت؟ قال: إلى عامل مصر، قال:
بماذا قال: برسالة، قال: معك كتاب؟ قال: لا، قال: ففتشوه فإذا معه كتاب من عثمان إلى ابن أبي السرح، فجمع محمد بن أبي بكر من كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ثم فك الكتاب بمحضر منهم، فإذا فيه إذا أتاك فلان وفلان، ومعهم محمد بن أبي بكر ومعه كتاب عهد فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه، وقف على عملك حتى يأتيك أمري أن شاء الله تعالى.
وفي رواية: معه كتاباً على لسان عثمان مختوماً بخاتمه إلى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم، فلما قرأوا الكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة، وختم محمد بن أبي بكر الكتاب ودفعه إلى واحد من الصحابة، فلما قدموا المدينة جمعوا الصحابة كعلي والزبير وطلحة وغيرهم، وفكوا الكتاب وقرأوه عليهم وأخبروهم بقصة العبد، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وقام أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى منازلهم ما منهم من أحد إلا مغتم بسبب ذلك، ثم تقدموا لحصاره، فلما