للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الحديث وحكمه يتناول جميع الأقسام لأن السبب الذي قدمنا ذكره يدل على أن المراد هنا بالهجرة الهجرة من مكة إلى المدينة.

فإن قيل: هل الهجرة باقية إلى يومنا هذا أو انقطعت بفتح مكة؟

فالجواب: أن الأحاديث تعارضت في ذلك ففي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» (١) فهذا يدل على انقطاعها.

وقد روى أبو داود والنسائي مرفوعاً «لا تنقطع الهجرة حتى تقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» (٢) فهذا يدل على عدم انقطاعها، وجمع بينهما بأن الهجرة كانت إلى الإسلام فرضاً، ثم صارت بعد فتح مكة مندوباً إليها غير مفروضة، فالمنقطعة هي الفرض والباقية هي الندب، وقوله - صلى الله عليه وسلم - كما هو ثابت في بقية الروايات.

قوله: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» (٣) يحتمل أن تكون «من» فيه شرطية فالفاء في «هجرته» داخلة في جواب الشرط، ويحتمل أن تكون «من» موصولة، وهي مبتدأ فالفاء في «هجرته» داخلة على الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وعلى الاحتمالين لابد من التغاير بين المبتدأ والخبر والشرط والجزاء، والظاهر هما هنا الاتحاد فلابد من تأويل التغاير بينهما، فقيل في تقدير


(١) متفق عليه رواه البخاري في صحيحه (٣/١٠٢٥، رقم ٢٦٣١) ، ومسلم في صحيحه (٢/٩٨٦، رقم ١٣٥٣) من حديث ابن عباس - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه (٣/٣، رقم ٢٤٧٩) ، والنسائي في السنن الكبرى (٥/٢١٧، رقم ٨٧١١) ، وأبو يعلى في مسنده (١٣/٣٥٩، رقم ٧٣٧١) ، والطبراني في المعجم الكبير (١٩/٣٨١، رقم ٨٩٥) ، والديلمي في مسند الفردوس (٥/١٥٦، رقم ٧٨٠٢) جميعاُ عن معاوية.
ورواه الإمام أحمد في مسنده (١/١٩٢، رقم ١٦٧١) عن ابن السعدي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل، فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكروا نحوه، وكذا رواه أيضاُ: الطبراني في المعجم الأوسط (١/٢٣، رقم ٥٩) ، ورواه أيضاُ في الصغير كما في مجمع الزوائد للهيثمي (٥/٢٥١) قال الهيثمي: ورجال أحمد ثقات.
(٣) سبق القول أن هذا الجزء لم يذكره البخاري في حديثه هنا، وقد أسهب ابن حجر في توجيه إسقاط البخاري لهذا الجزء ورد على المعارضين، وذلك قد مر بك في المجلس السابق، ولكن المصنف الإمام السفيري جاء به هنا من باب الإفادة، ولأنه يعلم أن الإمام البخاري أخرجه تاماً في مواضع أخرى، فتنبه هداك الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>