للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التغاير: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصداً، فهجرته إلى الله ورسوله حكماً وشرعاً، ويكون المقدر منصوباً على التمييز كقوله تعالى ?إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ? [الأنفال: ٦٥] أي: رجالاً أو نحوه لا منصوباً على الحال لأن الحال المبينة لا تحذف، ولهذا منع بعض العلماء تعلق الجار في ?بِسْمِ اللَّهِ? بحال محذوفة أي: ابتدئ متبركاً، وقيل: تأويل التغاير أن خبر الثاني محذوف والتقدير: فهجرته إلى الله رسوله (١) .

وقيل: المراد ثواب من هاجر إلى الله ورسوله، فأقيم السبب مقام المسبب.

وقيل: المراد في الثاني ما عهد في الذهن، وفي الأول المشخص في الخارج مثل أنا أبو النجم، وشعري شعري أي: شعري الذي سمعتموه هو شعري المستقل المعهود في الأذهان فلا حاجة لتقدير محذوف.

فإن قيل: لأي شيء عدل عن الضمير إلى الظاهر حيث قال: «فهجرته إلى الله ورسوله» ولم يقل: «إليهما» مع إنه هو أخص.

فالجواب: أنه فعل ذلك إما لأن في الظاهر استلذاذاً بذكره صريحاً، ولذلك لم


(١) قد ألمح الحافظ ابن حجر في ذلك ملمحاً طيباً، وهو أن هذا الحديث فيه إتحاد الشرط مع جوابه اتحاداً بليغاً وكيف لا وقد صادر عن خير من نطق بالضاد ومن أجرى الله على لسانه الفصاحة والبلاغة - صلى الله عليه وسلم -.
يقول ابن حجر: فإن قيل: الأصل تغاير الشرط والجزاء، فلا يقال مثلاً: من أطاع أطاع وإنما يقال مثلاً من أطاع نجا، وقد وقعا في هذا الحديث متحدين، فالجواب: أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر، وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق، ومن أمثلته قوله تعالى: ?وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً? [الفرقان: ٧١] ، وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس، كقولهم: أنت أنت أي: الصديق الخالص، وقولهم: هم هم أي: الذين لا يقدر قدرهم، أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب.
وقال ابن مالك: قد يقصد بالخبر الفرد بيان الشهرة وعدم التغير فيتحد بالمبتدأ لفظا كقول الشاعر:
خليلي خليلي دون ريب وربما
ألان امرؤ قولا فظن خليلا
وقد يفعل مثل هدا بجواب الشرط كقولك: من قصدني فقد قصدني، أي فقد قصد من عرف بإنجاح قاصده.
وقال غيره: إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم وإما في التحقير. انظر فتح الباري (١/٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>