للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يأت مثله في الجملة بعده إعراضاً عن تكرار لفظ الدنيا، وإما لئلا يجمع بين اسم الله ورسوله في ضمير واحد، بل يفردان، ولهذا جمع الخطيب بينهم في ضمير واحد حيث قال: «ومن يعصهما» قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بئس الخطيب قل ومن يعص الله ورسوله» (١) كما سيأتي في محله.

وقوله: «فمن كانت هجرته إلى دنيا» قال العلماء: «دنيا» بضم الدال على المشهور، وحكى ابن قتيبة كسرها على وزن «فُعلا» من الدنو، وهو القرب سميت بذلك لدنوها إلى الزوال وجمعها دنى ككبرى، وهي مقصورة ليس فيها تنوين بلا خلاف.

واختلف علماء الكلام في حقيقة الدنيا على قولين: أحدهما: أنها على الأرض الجواهر والأعراض الموجودة، قبل الدار الآخرة.

قال ابن العطار (٢) : وهو الأظهر، وتطلق الدنيا على كل جزء منها، فيقال للمال دنيا، وللقماش دنيا، وللأملاك دنيا، وأراد - صلى الله عليه وسلم - بدنيا متاعاً من متاعها (٣) .

وقوله: «أو امرأة» من عطف الخاص على العام، لدخول المرأة في مسمي الدنيا بدليل حديث: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» (٤) .

واعترض النووي على من قال: إنه من عطف الخاص على العام، بأن لفظ «دينا» نكرة وهي لا تعم في الإثبات، فلا يلزم دخول المرأة فيها.

وأجيب عن الاعتراض: بأنها في سياق الشرط فتعم.


(١) رواه مسلم في صحيحه (٢/٥٩٤، رقم ٨٧٠) ، وأحمد في مسنده (٤/٢٥٦، رقم ١٨٢٧٣) ، وابن أبي شيبة في المصنف (٦/٧٤، رقم ٢٩٥٧٤) ، والبيهقي في السنن الكبرى (١/٨٦، رقم ٤٠٦) عن عدي بن حاتم.
(٢) هو: علاء الدين علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود، ثلاثة على نسق، ابن العطار الحراني، سبط الشيخ زين الدين الباريني، ولد بعد الستين وسبعمائة، وتفقه على المذهب الشافعي علي يد الشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره، وبرع في النحو والفرائض، وتصدى لنفع الناس، وتصدر بأماكن وكانت دروسه فائقة، كان جيد الحفظ، ذكر القاضي علاء الدين في تاريخ حلب أنه حفظ ربع ألفية العراقي في يوم واحد، ولو عمر لفاق الأقران لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان.
انظر: شذرات الذهب (٣/٣٤١) ، وطبقات المحدثين (١/٢٣٥، ترجمة: ٢٤٠١) .
(٣) قال ابن حجر في الفتح (١/٦٠) : وقال التيمي في شرحه: قوله: «دنيا» هو تأنيث الأدنى ليس بمصروف، لاجتماع الوصفية ولزوم حرف التأنيث.
وتعقب بأن لزوم التأنيث للألف المقصورة كاف في عدم الصرف، وأما الوصفية فقال ابن مالك: استعمال دنيا منكراً فيه إشكال لأنها أفعل التفضيل، فكان من حقها أن تستعمل باللام كالكبرى والحسنى، قال: إلا أنها خلعت عنها الوصفية أو أجريت مجرى ما لم يكن وصفاً قط.
(٤) رواه مسلم في صحيحه (٢/١٠٩٠، رقم ١٤٦٧) ، والنسائي في سننه (٦/٦٩، رقم ٣٢٣٢) ، وابن ماجه في سننه (١/٥٩٦، رقم ١٨٥٥) ، وأحمد في مسنده (٢/١٦٨، رقم ٦٥٦٧) ، وابن حبان في صحيحه (٩/٣٤٠، رقم ٤٠٣١) عن عبد الله بن عمرو.

<<  <  ج: ص:  >  >>