للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فعند الجمهور أن حديث بلال ناسخ لأحاديث الفسخ، فهو للصحابة خاصة في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية، من تحريم العمرة في أشهر الحج، ويؤيد ذلك الأثر السابق عن أبي ذر رضي الله عنه.

واستدل الآخرون على فسخ الحج بأحاديث صحيحة جيدة قربت من حَدِّ التواتر عن بضعة عشر من الصحابة.

منها حديث جابر، وسراقة بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وعَلِيًّ، وابن عباس، وأنس، وابن عمر، والربيع بن سبرة، والبراء بن عازب، وأبي موسى، وعائشة، وفاطمة، وحفصة، وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.

كل هؤلاء رَوَوْا أحاديث كثيرة ـ وبعضها في الصحيحين – تنص على فسخ الحج إلى العمرة.

ولهذا، لما قال سلمة بن شبيب للإمام أحمد: يا أبا عبد الله، كل شيء منك حسن جميل، إلا خصلة واحدة. فقال: وما هي؟.

قال: تقول بفسخ الحج.

فقال الإمام أحمد: كنت أرى أن لك عقلاً، عندي ثمانية عشر حديثاً صحاحاً جياداً، كلها في فسخ الحج، أتركها لقولك؟

وقد أورد المصنف رحمه الله تعالى في هذا الكتاب، منها حديثين:

١- حديث جابر، الذي نحن نتكلم عليه الآن

٢- وحديث ابن عباس؛ سيأتي، ونورد معهما

حديثين من تلك الأحاديث المتكاثرة.

الأول: ما رواه "مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "خرجنا

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخاً.

فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة، إلا من ساق الهدي، فلما كان يوم التروية، وَرُحْنَا إلى "منى" أهللنا بالحج".

والثاني: ما رواه "مسلم" و"ابن ماجه" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: "خرجنا محرمين، فقال رسول الله: من كان معه هَدْيٌ فَلْيُقِمْ على إحرامه، ومن لم يكن معه هديٌ، فليحلل، فلم يكن معي هدي، فحللت. وكان مع الزبير هدي، فلم يحلل".

وهذه أحاديث عامة للصحابة ولمن بعدهم، إلى الأبد.

فإن الأحكام الشرعية، لا تكون لجيل دون جيل، ولا لطائفة دون أخرى.

فمن ادّعى الخصوصية، فعليه الدليل.

<<  <   >  >>