للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكيف ولما سأل سراقة بن مالك النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفسخ "هل هي للصحابة خاصة؟ " فقال: "بل للأمة عامَّة؟ ".

وقد وردت هذه الأحاديث في واقعة متأخرة، لم يأت بعدها ما ينسخها. ومن ادَّعى النسخ، فعليه الدليل.

بل ورد ما يبعد دعوى النسخ، حين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم "عمرتنا هذه: لعامنا هذا أم للأبد؟ " فقال: "لا. بل لأبد الأبد، ودخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".

أما دعوى الجمهور النسخ، بحديث بلال بن الحارث، فبعيد كل البعد.

لأن الإمام أحمد قال في حديثه: حديث بلال بن الحارث عندي، ليس بثبت، ولا أقول به. وأحد رواة سنده الحارث بن بلال لا يعرف.

وقال أيضاً: أرأيت لو عرف الحارث بن بلال؟ إلا أن أحد عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون ما يرون من الفسخ: أين يقع الحارث بن بلال منهم؟!

وأما أثر أبي ذر، فهو رَأيٌ له، وقد خالفه غيره فيه، فلا يكون حجة، لاسيما مع معارضته للأحاديث الصحاح.

وممن اختار الفسخ، شيخ الإسلام "ابن تيمية" قدس الله روحه، وتلميذه "ابن القيم".

وقد أطال "ابن القيم" البحث في الموضوع في كتابه [زاد المعاد] وبيَّن حجج الطرفين، ونصر الفسخ نصراً مؤزراً مبيناً، وردَّ غيره، وفنَّد أدلته بطريقته المقنعة، وعارضته القوية.

ثم اختلف القائلون بالفسخ: أهو للوجوب أم للاستحباب؟

فذهب الإمام أحمد: إلى استحباب الفسخ. قال شيخ الإسلام: أهل مكة وبنو هاشم وعلماء الحديث يستحبونها، فاستحبها علماء سنته، وأهل سنته، وأهل بلدته التي بقربها المناسك وهؤلاء أخص الناس به.

ولعل قصر الإمام "أحمد" لأحاديث الأمر بالفسخ مع التغليظ فيه على الاستحباب، حمله على عدم مبادرة الصحابة إلى امتثال أمره صلى الله عليه وسلم.

وذهب ابن عباس في المفهوم من كلامه: إلى أنه فرض من لم يَسُقْ هدي التمتع، حيث قال: " من جاء مُهلاًّ بالحج، فإن الطواف باليت يغيره إلى عمرة، شاء أم أبى".

وذهب "ابن حزم" إلى ما ذهب إليه ابن عباس، حيث يقول في كتابه المحلى:

ومن أراد الحج، فإنه إذا جاء إلى الميقات، فإن كان لا هدي معه، ففرض عليه أن يحرم بعمرة

<<  <   >  >>