للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويستدلون على ذلك بما رواه البخاري عن أبي رافع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الجار أحق بصقبِه ".

وبما رواه أبو داود، والنسائي، والترمذى عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جار الدار أحق بالدار ".

وروى أصحاب السنن الأربعة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحدا " وهذا حديث صحيح.

وقالوا: إن الضرر الذي قصد الشارع رفعه، هو ضرر الجوار، فإن الجار قد يسيء إلى جاره بِتَعْلِيَةِ جداره وتَتَبُعِ عوراته والتطلَع على أحواله، فجعل له الشارع هذا الحق، ليزيل به الضرر عن نفسه وحرمه وماله.

وللجار حرمة وحق، حث الله عليهما ورسوله.

فأمر بإكرامه، ونَفَى الإيمان عمن أساء إليه.

فنظر قوم إلى أدلة كل من الفريقين. فرأوا أن كلا منهما معه أثر لا يُرَدُّ، ونظر لا يُصَد. فمع كل منهما أحاديث صحيحة وتعليلات قويه مقبولة. وقد علموا أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا تتضارب، بل ينظر بعضها إلى بعض وتتلاحظ بعين التوافق والالتئام، لأنها من عند من {لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} .

لذا فقد توسطوا بين القولين، وجمعوا بين الدليلين فقالوا:

إن منطوق حديث " فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق " ونحوه، انتفاء الشفعة عند معرفة كل واحد حده واختصاصه بطريقه.

وإن منطوق حديث: " الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها، وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحداً " إثبات الشفعة بالجوار عند الاشتراك في الطريق وانتفائها عند تصريف الطريق، فتوافق المفهوم والمنطوق.

وممن يرى هذا الرأي، علماء البصرة، وفقهاء المحدثين. وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام " ابن تيمية " " وابن القيم " وشيخنا عبد الرحمن آل سعدي. قال شيخ

<<  <   >  >>